شعار قسم مدونات

أمل كلوني ونادية مراد.. قضيّة مُشتركة

blogs - نادية مراد وأمل كلوني
سِنجارْ مدينةٌ عراقيّة لم يُنصفها التّاريخُ ولا الجغرافيا، وكحال العراق أُلقِيَ بها في دوامة الصراعات الطائفية عبثًا لتصبحَ محلّ نزاعٍ خاصة معَ التغييرات الجيوسياسيّة التي تشهدها المنطقة. مدينةٌ جبليّة تقع شمال غربِ العراق ويسكنها حواليّ 24 ألف نسمة من الأيزيديّين هذه الطائفة المضطهدةُ التي أعادها تنظيمُ داعش الإرهابيّ للواجهة. في خضم النزاعات الطّائفية والحرب ضدّ الأقليّة المنسية في أطراف العراق وُلدت نادية مراد في كوجو سنجار سنة 1993 ولم تكن تعلم طوال سنواتها العشرينْ التّي قضتها هناك أنّ حياتها البسيطة ستتغيّر تماما في صائفة 2014.
 
وفي فترة غير بعيدة وركن آخر من العالم ولدت أمل علم الدّين بلبنان خلال الحرب الأهلية الدّامية التي اندلعت في ثمانينيات القرن الماضي، وهي كذلك حرْب تدور في محورٍ طائفيّ دفعت عائلتها للمغادرة إلى المملكة المتحدّة أين ستتابع أمل دراسة القانون لتصبح لاحقًا واحدة من أشهر الحقوقيّات في العالم بعد تولّيها للعديد من القضايا المثيرة للجدل، كدفاعها عن رئيس جمهورية المادليف ومؤسس موقع وكيليكس وغيرهم. وقد تضاعفت شهرتها بعد تزوّجها من الممثلّ العالميّ جورج كلوني.

بدأت قصة تقاطعِ حياتيهما حينما كان عمرُ نادية مراد 21 سنة، وكانت طالبة تطمحُ لأن تصبح مدرّسة وتساعد عائلتها المتكوّنة من ثمانية أفراد.  أواخر صائفة 2014 احتلتّ قوّات داعش القرية وحلّ الخراب أكبرُ عمليّة إبادة جماعية شهدتها المدينة حينها كانت نادية في المدرسة وكانت المدينة تهوي أمام زحف المتشددين. مقاتلو الدولة الإسلامية الذين لا يتورعون عن قطع الرؤوس طوقوا المدينة بلحي قذرةّ وبنادق آلية. اختطف مسلحو داعش نادية من المدرسة وأخذوها رفقة أكثر من 150 امرأة أيزيدية إلى الموصل.

لتجد هناك الآلاف من النساء والأطفال الذين كانوا يقدمون لمقاتلي التنظيم كهدايا. وفي 15 أوت أغسطس شاهدت نادية أمهّا وأشقاءها يعدمون في ساحة عامة. حمّام دمٍ ذبح فيه 310 أفراد، في أقل من ساعة، ثمّ راكموا الجثث والرؤوس في مشهد سيرياليّ رافقه العويل الذّي لا يفارق أذنيها إلى الآن بينما كانت تراقبُ من نافذة المبنى الذي حُبست به. حُبست نادية في المبنى لأسابيع مع الآلاف من العائلات ثمّ قدم المجاهدون أخيرا لاقتسام الغنائم.

أمل أكدّت أن الأمم المتحدة يمكن أن تعمل بدون موافقة العراق ويمكن إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتصب القضيّة قضية دولية. لكنهما رغم العزيمة على مواصلة التحدّي تبديان استياء واضحا تُرجم من خلال تصريحاتهما.

بقيت نادية أسيرة لبضعة أيام عند أحد مسلحي داعش في الموصل، ثمّ عاد مغتصبها، تقول في شهادتها (تلك الليلة السوداء فعلها) عاشت نادية بعدها العبودية الجنسية والإهانة والاغتصاب يوميا، وبعد ثلاثة أشهر من تلك الحادثة مرت؛ نجحت في الهروب أخيرا من الجحيم إلى مخيّم للاجئين بألمانيا حيث بدأت معركتها الحقيقيّة: إيصال قصتّها لكل العالم.

أمل علم الدين ونادية مراد رغم اختلافهما يشكّلان فريقا استثنائيا فعلا، الأولى امرأة متخرّجة من أكسفورد من عائلة مثقفة طويلةُ القامة منمقّة الملابس واثقة الخطى، والثانيّة كانت تطمحُ لتدريس التّاريخ لم تكمل تعليمها من عائلة فقيرة ومجتمعٍ تقليديّ قصيرةُ القامة وخجولة جدّا بشعرٍ داكن وعينين شاحبتين وكثير من الحكايا المُوجعة.

التقت الامرأتان لأوّل مرة حين أدلت ناديا بشهادتها أمام مجلس الأمنبلهجتها الكرديّة وصوتها الخجول وكلماتها التّي أبكت الحاضرين، والآن تمثّل أمل علم الدّين الأيزيدين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتطالب المحامية والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان بالموافقة على إجراء تحقيق أممي في الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في هذا البلد ومحاسبة مرتكبيها أمام القضاء.

وفي خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار سعيها إلى محاكمة الجهاديين على جرائمهم بالعراق، قالت كلوني وكيلة الدفاع عن النساء الأيزيديات (هناك مقابر جماعية تقبع من دون حماية ومن دون أن تُنبش، وهناك شهود يفرون وما من ناشط واحد في داعش يحاكم بأي مكان في العالم بتهمة ارتكاب جرائم دولية). متحدتّان في مواجهة العالم اتحادا فريدا من نوعه، أمل كلوني ونادية مراد امرأتان وقضيّة واحدة. تتوالى تحركات أمل ونادية تم من أجل تحقيق العدالة لضحايا داعش، فبعد أن تحدثتا العام الماضي في مجلس الأمم المتحدة تعودان هناك مرة أخرى من أجل حثّ العراق على السماح بتحقيق تابع للأمم المتحدة في جرائم المجموعات الإرهابية. ولكن مرت أشهر، والمواعيد التي حددتها المملكة المتحدة قد تمّ تأجيلها.

وتقول نادية في هذا السياق: أتساءل ما إذا كان هناك أي جدوى من مواصلة حملتي على الإطلاق لا أستطيع أن أفهم ما الذي يأخذ وقتا طويلا. لا أستطيع أن أفهم لماذا يسمحون للتنظيم أن يفلت من العقاب، أطلب من الحكومة العراقية والأمم المتحدة التعجيل لإجراء تحقيق ومنح جميع الضحايا العدالة التي يستحقونها.

الآلاف ممن فتحوا أبوابهم لداعش الآن عادوا لممارسة حياتهم الطبيعية وكأن شيئا لم يحصل. نادية سئمت من تأخير محاكمة تقتص من إرهابيي الدولة الإسلامية، حيث اعتبرت أن إخفاق أنظمة العالم في محاسبة المجرمين أمر غير مبررّ.

أمّا أمل فقد أكدّت أن الأمم المتحدة يمكن أن تعمل بدون موافقة العراق ويمكن إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتصب القضيّة قضية دولية. لكنهما رغم العزيمة على مواصلة التحدّي تبديان استياء واضحا تُرجم من خلال تصريحاتهما.

كان مجلس أوروبا قد منح الشابة الإيزيدية جائزة حقوق الإنسان التي تحمل اسم الرئيس التشيكي الأسبق والناشط الحقوقي فاتسلاف هافيل. كما عينت سفيرة النوايا ورشحت لجائزة نوبل للسلام، كلّ هذا أعطى الشابة نفوذا تستغله في دفاعها المستميت عن قضيّتها الأم.

مؤخرا عبرت نادية عن غضبها بعد عودة ممن دعموا مسلحي داعش إلى حياتهم الطبيعية في الجزء الشرقي لمدينة الموصل. فق كتبت نادية مراد على حسابها في تويتر: نصف الموصل قد حرر.. الآلاف ممن فتحوا أبوابهم لداعش الآن عادوا لممارسة حياتهم الطبيعية وكأن شيئا لم يحصل. نادية سئمت من تأخير محاكمة تقتص من إرهابيي الدولة الإسلامية، حيث اعتبرت أن إخفاق أنظمة العالم في محاسبة المجرمين أمر غير مبررّ.

إن المتأملّ في أول لقاءات نادية التلفزيونيّة يدرك أن الشابة الإيزيدية قد اكتسبت على مرّ الثلاث سنوات الماضية ثقة كبيرة تظاهي ثقة أمل علم الدين التّي تعيش حياتها تحت الأضواء، صارت نادية أكثر شراسة ونضجا، وتطور خطابها وصارت تجيد التواصل بالأعين بعد أن كانت تتلعثم في سرد أقوالها.

أمّا أمل فباقترابها من نادية، هي تلامس جذورها العربيّة، فعائلة أمل أيضا قد عانت من ويلات حرب لبنان.. غريبتان طردتا من أرضهما بسبب الطائفية المقيتة فاتحدتّا تحاربان نفس العدّو بنفس الصمود والتحدّي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.