أتذكر جيدا أول أيامي في المدرسة أتذكر اصطفافنا كل يوم داخل الساحة ونحن نكرر كلمات النشيد الوطني ونعيدها بكل قوة فتسمع أصداءنا من بعيد من بعيد جدا. نعيد تلك الكلمات وراية البلد ترفرف عاليا في السماء لم نكن نتقن حفظها جيدا لكننا جميعا كنا نصرخ عند النهاية "الله الوطن الملك". فينتابني إحساس غريب يقشعر بدني وأنا أتأمل في علم وطني وهو يرفرف أنا التي حينها لم أكن أعرف مفهوم الوطن وروح المواطنة.
كبرت شيئا فشيئا فدرست التربية على المواطنة درست مفهوم الوطن الوطنية والمواطن تعرفت على مفهومي الحقوق والواجبات وتعرفت على محلي من الإعراب داخل هذا الوطن. كنت تلميذة شغوفة باكتشاف أشياء تهمني كشخص ذو كيان داخل وطن يكن له حبا لا مشروطا اكتشفت أن الوطن هو ذلك المكان الذي ولد به الإنسان فيشعر به الفرد بالانتماء والولاء وهو الحاضن الدائم لهذا الفرد كبرت فتساءلت عن مفهوم المواطنة والتي ترتبط بشكل مباشر بحق الفرد في الإقامة والعمل والمشاركة السياسية بحقه في العيش بكرامة تعرفت على العلاقة بين المواطن والوطن والمواطنة تعرفت إلى أنه لا وطن دون مواطنة ولا مواطن إلا بمشاركته في شؤون وطنه.
كبرت شيئا فشيئا ثم صار هذا السؤال لا يفارق لساني كلما ربطت الواقع بما درست: أين هي المواطنة أين هو حق المواطن داخل وطنه لأجد أن جزءا كبيرا من ذلك تبخر تحت سماء الوطن لأجدني مواطنة أحبت وطنها بكل ما أوتيت من قوة لكنها تفتقد للعديد من حقوقها هي والكثير من أبناء وطنها وجدت أن التعليم والصحة ليسا متاحين للجميع وجدت أن الفقر ينهش أعراض الناس فيعري عوراتهم وجدت الكثير من أبناء وطني لم يدخلوا المدرسة يوما والكثير منهم لم يكن لهم الحق حتى في شرب ماء صالح للشرب وجدت أمهات يتوفين قبل أجلهن فقط لأنه أقرب مستشفى للولادة يبعد عنهن بمئات الكيلومترات على الأقل.
رغم كل شئ سيظل ما يربطني بهذه الأرض شيء لا يستوعب ستظل هذه البقعة كلما وليت وجهي إلى بلد آخر بلدي الأم البلد الذي أحس فيه بالانتماء بالحب بالاحتواء سأظل أبادله هذا الحب اللا مشروط |
كبرت فوجدت شباب الوطن تلك الفئة التي من المفروض أن يكونوا قادة أصبح حلمهم الوحيد هو الهجرة هو الفرار لبلد يضمن لهم الحق في الشغل في الصحة وفي تعليم جيد شباب أكهلتهم البطالة حتى تحولوا من أشخاص يستوطنهم الطموح والإرادة إلى أشباح فاشلة إلى أشخاص يرون الحياة سوادا أمامهم ومع ذلك متشبثون بحبهم لهذا الوطن وهم يعلمون أنه حب من طرف واحد ربما يبادلهم هو كذلك نوعا من الحب لكن ليس ذاك الذي تمنوه فهم تمنوا وطنا يحبهم ويحتضنهم كما تحتضن الأم أولادها. هم أرادوا فقط أن يحسوا بذلك الدفيء المعنوي وأن يستمر إحساسهم بالفخر كلما ذكر اسم بلدهم فالأمر لا يستدعي أشياء مستحيلة فقط نريد أن نرى حقوقنا التي نصت بالقوانين في الواقع أمام أعيننا.
ورغم كل ذلك سيظل ما يربطني بهذه الأرض شيء لا يستوعب ستظل هذه البقعة كلما وليت وجهي إلى بلد آخر بلدي الأم البلد الذي أحس فيه بالانتماء بالحب بالاحتواء سأظل أبادله هذا الحب اللا مشروط حتى وإن اتخذت نفس قرار أولئك الشباب، وفررت هاربة إلى وجهة أخرى سيظل هذا القلب ينبض حبا وانتماءا له إلى الأبد فبادلني رجاءا أيها الوطن جزءا من هذا الحب .
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.