شعار قسم مدونات

كيف تصنع قاتلا ناجحا؟

blogs - قاتل
لم يكن بسيطا ولا اعتياديا تحول العميل (أ.ل) من كونه إنسانا عاديا وبسيطا مثله مثل أي مواطن في قطاع غزة إلى عميل قاتل يتسم بالبرود والهوادة في القتل وبالاقتناع التام بصوابية ما يقوم به دون إبداء عبرات أو نبرات الندم والحسرة. هذا العميل تحديدا -وربما على شاكلته المزيد ممن لم يتم اكتشافهم بعد- لم يُصنع على عين المخابرات الصهيونية وحدها، ولكنه صُنع على أكثر من عين وعلى نار هادئة جدا أخذت من وقتها أكثر من عقد من الزمان لتهيئة الأجواء نفسيا وذهنيا وعقليا وفكريا.
لا يمكنني الادعاء بأن العميل كان له أكثر من أب يغرس في بويضة العمالة التي بداخل (أ.ل) بذور الانحراف، لكنني أجزم بأن الأب الاستخباراتي الصهيوني وجد بيئة مهيأة وجاهزة لاستقباله قامت بتهيئتها العديد من العوامل بقصد أو بدون قصد. من هذه الظروف ما وجدت ضمن صفات العميل ومنها أيضا ما أحاطت به ودفعته باتجاه العمالة وكلاهما ساهمتا في صنعه منذ نعومة البذرة في أوائل تشكيلها.

اختلفت الروايات التي تحدثت عن ماضي القاتل ولكنها أسفرت في مجموعها عن تكوين صورة تعطي بعض الملامح لشخصية (أ.ل) في سنواته الأخيرة. إذا بدأنا من العام 2004م وهو العام الذي تم تجنيد العميل فيه بناء على ما ورد في الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية في غزة، فإن أحد الروايات تتحدث عن فصل العميل من كتائب القسام قبل تجنيده مع استخبارات الاحتلال إثر مشاكل شخصية مع قيادته -لا حاجة للخوض فيها- حيث توجه بعد ذلك (أ.ل) للفكر السلفي المتشدد والتواصل مع سلفيين عبر الإنترنت حتى اصطدم بضابط مخابرات صهيوني جذبه لحقل العمالة تحت غطاء الفكر السلفي.

بعض الروايات عن ماضي وحاضر (أ.ل) تبدو مدهشة إلى حد بعيد، إيمانه العميق بفكره وعداوته لحماس وأجهزتها كانت واضحة من خلال رواية تتحدث عن حفره عبارة (هذا ضريح الشهيد بإذن الله أ.ل على جدران أحد السجون التي اعتقل فيها.

رواية أخرى تحدثت عن حادثة فصل (أ.ل) من القسام متأخرا بعد العام 2009م على إثر ميله لجماعة "جلجلت" السلفية والتي انبثقت عن عدد من السلفيين الجهاديين المتشددين من مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام. ورغم ميلي للرواية الأولى حول فصل (أ.ل) نظرا لاتفاقها مع بقية الروايات التي تحدثت عن تلك الحقبة من حياة العميل، إلا أنني لا أجد ذلك الفرق الشاسع بين فصل الرجل ثم التحاقه بمجموعات الفكر السلفي وبين التحاقه بهكذا مجموعات ثم فصله بسبب ذلك، ففي كلتا الحالتين يكون القاسم المشترك هو قابلية الضحية للانحراف فكريا ما مهد لقابليته للانحراف وطنيا والغوص في مستنقع العمالة، إضافة إلى الحقد المتولد تجاه تنظيمه السابق الذي قام بفصله وتهميشه بغض النظر عن الأسباب.

لم يكن التمرس على الكراهية والعداء لحماس إلا الفصل الأول من فصول إعداد قاتل لا يعرف عن الرحمة شيئا، فكان بدا من نزع هيبة الدم والروح من قلبه وهو بالفعل ما تؤكده الرواية التي تتحدث عن جريمة تصفية 6 من منتسبي الأمن الوقائي بدم بارد بعد إعطائهم الأمان من قبل عناصر القوة التنفيذية الحكومية خلال أحداث يونيو 2007م في مدينة غزة، تلك الواقعة التي لم تستدركها حماس في حينها فلم تعاقب فاعلها ولم تحاكمه ولم تقتص للمغدورين من ضحاياه واكتفت بفصله من وظيفته الحكومية كعسكري في القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية.

لا بد أن الأقدار قد وضعت كلمتها فالمجرم الذي تم التستر على جريمته بالأمس عاد ليعيد نفس الجريمة ولكن بشكل أقسى وأمر ليطعن بها خاصرة الذين تستروا عليه، فالجريمة تبقى جريمة والتستر عليها غير مشروع تحت أي مبرر ولعل هذا الدرس على قسوته أن يكون مفتاحا لعديد الملفات المطوية لتتم محاسبة كل من اعتدى على حقوق الناس وعلى دمائهم. إن الذي يخشى إخراج الملفات من الدرج السفلي وفتحها على مصراعيها أولى به أن يخشى من إغلاق إلهي لها أو من تدبير رباني لطيها.

قاتل لم يُبدِ شيئا من الندم والحسرة ولم تتخثر الكلمات في حنجرته أثناء اعترافه بتنفيذه الاغتيال ولا حتى أثناء مخاطبته الضباط الذين وجهوه للتنفيذ بينما هو قابع بين براثن أجهزة الأمن الفلسطينية.

بعض الروايات وبعض التفاصيل هنا وهناك عن ماضي وحاضر (أ.ل) تبدو مدهشة إلى حد بعيد، إيمانه العميق بفكره وبعداوته لحماس وأجهزتها الأمنية كانت واضحة من خلال رواية انتشرت تتحدث عن حفره عبارة (هذا ضريح الشهيد بإذن الله (أ.ل) على جدران أحد السجون التي اعتقل فيها ضمن حملات اعتقال طالت مطلقي الصواريخ من أتباع الفكر السلفي. من المستغرب أيضا تمسك العميل بلحيته الكثة وباستخدامه أوقات الصلاة كمواقيت طبيعية لمواعيد اتصالاته مع ضابط المخابرات حيث ورد في فيديو الداخلية ذكره لاتصال ضابط المخابرات به "وقت صلاة العصر" وهو الأمر الذي لا يبدو منطقيا بالنسبة لعميل.

مازن، القائد الشاب ودرة كتائب القسام المكنونة، كان الثمن الذي تم دفعه كمكافأة لجهود مضنية من الإعداد والتحضير لهذا القاتل، سنوات من التشويه الفكري وسنوات من قتل الضمير وسنوات من السكوت عن الجريمة لتمنحه شعور باستحسان القتل واستسهاله ومراحل الزج في السجون بسبب قضايا مختلفة، هذه السنوات جاءت بتدابير بعضها مقصود ومرتب له وبعضها كان نتيجة سوء التقدير أحيانا وسوء الطالع في أحيان أخرى، كل هذا أدى لصناعة القاتل الذي لم يُبدِ شيئا من الندم والحسرة ولم تتخثر الكلمات في حنجرته أثناء اعترافه بتنفيذه الاغتيال ولا حتى أثناء مخاطبته الضباط الذين وجهوه للتنفيذ بينما هو قابع بين براثن أجهزة الأمن الفلسطينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.