وهكذا فإن "تغول" اللغة الفرنسية يبدو واضحا في كل المجالات المهمة والحيوية في المغرب، كالتعليم والصحة والتجارة وعالم المال والأعمال ووسائل الإعلام التي يبدو وكأنها تعمل جاهدة على ترسيخ هذه اللغة في عموم المجتمع وذلك على حساب اللغة العربية لغة البلاد الرسمية أو كذلك اللغة الأمازيغية والدارجة المغربية التي تعتبر اللغة الأم لأغلب المغاربة حيث أنها مزيج من العربية والأمازيغية ولغات أجنبية أخرى وتعبر عن تنوع أصول وأعراق المغاربة.
كما لا يجد الكثير من المسؤولين الحكوميين في المغرب حرجا في إعطاء تصريحات لوسائل الإعلام سواء داخل المغرب أو خارجه باللغة الفرنسية، في الوقت الذي يفاجئ فيه عدد من المسؤولين الأجانب وخصوصا بعض السفراء في المغرب الجميع بحديثهم باللغة العربية كتعبيرعن احترامهم للغة الوطنية للبلد الذي يستضيفهم.
لا يمكن إلا أن نؤكد أن ما يحصل منذ استقلال المغرب ليس سوى انتهاكا للسيادة اللغوية المغربية، وهو الأمر الذي لا يقبل أي تبرير، فإلى متى ستظل السيادة اللغوية للمغرب ودول المغرب الكبير منتهكة؟ |
ويبرر البعض ممن يدافعون عن التواجد الراسخ للغة موليير في المغرب هذا الارتباط الوثيق مع اللغة الفرنسية بضعف اللغة العربية وما تعانيه من مشاكل بنيوية خصوصا وأنها لم تعد لغة لانتاج المفاهيم الفكرية والعلمية، لكن هذا التبرير هو في الواقع -وإن كان صحيحا نسبيا- إلا أنه حجة على هؤلاء وليست لهم على اعتبار أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر انتشارا في العالم وهي كذلك لغة البحث العلمي، كما أن أنصار الفرنكوفونية يتناسون أن اللغة العربية هي رابع أكثر لغة انتشارا على مستوى العالم وأن الكثير من التقارير تتوقع مستقبلا مزدهرا لها، فيما يتناسى الفرونكوفونيون المغاربة أن اللغة الفرنسية تعيش تراجعا كبيرا حتى داخل معاقلها.
إن الانتقاص من اللغة الرسمية للمغرب وباقي اللغات الوطنية والتركيز على اللغة الفرنسية لا يعد كذلك انفتاحا، فرغم أن لا أحد يجادل في ضرورة تعلم اللغات الأجنبية سواء تعلق الأمر بالإنجليزية خصوصا أو الفرنسية، إلا أن ذلك لا يعني أبدا تفضيل إحدى هذين اللغتين أو غيرهما على اللغة الوطنية والرسمية التي تعتبر اللسان الناطق باسم ثقافتنا وهويتنا الإسلامية العربية الأمازيغية السابقة على دخول الفرنسية للمغرب بقرون عديدة. وإنه مما لا شك فيه أن منح الفرنسية المكانة الأولى في المجتمع ستسهم في تكوين جيل متخاصم مع هويته ومنفصل عن ثقافته.
وهكذا فإننا لا يمكن إلا أن نؤكد أن ما يحصل منذ استقلال المغرب ليس سوى انتهاكا للسيادة اللغوية المغربية، وهو الأمر الذي لا يقبل أي تبرير، فإلى متى ستظل السيادة اللغوية للمغرب ودول المغرب الكبير منتهكة؟ ومتى نعيد للغتين العربية والأمازيغية ما يستحقانه من اهتمام؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.