شعار قسم مدونات

الفوضى الرياضية والاحتقان السياسي

blogs - spo

الرياضة هي متعة الإنسان والتنفيس عن النفس وشد الجسد وصحته أما نحن فحولناه إلى العكس تماما فبدلا أن نرفه عن النفس نملؤها بشحنات الغضب ونرهقها بالصياحات والغضب والقلق ونهدم الجسد ونضيع الوقت لساعات. وهذه الفوضى تعود إلى السياسات الخاطئة التي تنتهجها أنظمتنا التي سدت جميع الأبواب على الشعب فلا يجد طريقة يفرغ غضبه عليهم فيبحث عن البديل ولعل أقرب بديل لتفريغ غضبه هو الرياضة.

دولة مثل بريطانيا احتلت نصف الأرض من أجل الترفيه عن مواطنه ولكن مع ذلك فهي تدرك أن هناك معارضين وغاضبين من نظامهم الملكي فمن أجل تفادي الفوضى والاحتقان السياسي لدى المواطن المعارض خصصت حدائق عامة مثل (الهايد بارك) ووضعت فيها منصات وفي هذه الحديقة المواطن حر بكل ما يتفوه فيصعد المعارض وينتقد ويسب ويشتم من الملكة وإلى أصغر مسؤول دون اعتراض أو محاسبة! 

ويرجع المواطن الغاضب إلى حالته الطبيعية فيخرج إلى الشارع وهو سعيد ومنضبط وتغمره السعادة بسبب أنه فارغ من الغضب وعدم الرضى من سياسة الإنكليز!  والمتابع للشأن الخليجي يرى أنهم مهتمون بالرياضة ومتحمسون أكثر من البرازيليين وأكثر من الأندية الإسبانية والأموال التي تصرفها هي أكبر بكثير من بعض ميزانيات الدول العربية ومع كل هذا الكم الهائل من المصروفات لم يستطيعوا أن يكونوا بمستوى الأندية الوسطى الأوربية الأمر ببساطة لأن الرياضة ليست عندهم من الأولويات وليس وراءه هدف ربحي أساسا الحكومة هي التي تصرف وتسهل كل الوسائل.
 

ملوك الخليج اختصروا الطريق على شعبهم لنيل حقوقهم المادية والمعنوية فبدلا من صرف الأموال للقنوات السياسية والأحزاب يصرفونها على القنوات الرياضية وبدلا من انقسام الشعب على كتل وكيانات سياسية انقسموا على الفرق الرياضية

قبل أن نجيب على هذا التساؤل الخليجي لنعود إلى الحالة العراقية. لو قمنا بمسح كامل للأحزاب السياسية الموجودة في العراق بالإضافة إلى القنوات التي يمتلكونها وعدد المليشيات بالإضافة إلى الكم الهائل من محللي السياسة وأعضاء البرلمان الحاليين والمتقاعدين منهم والوزراء الحاليين والمتقاعدين منهم كل هؤلاء ماذا قدموا للشعب العراقي مع كل هذه الأموال التي تصرف؟ الإجابة هي الواقع العراقي الذي نعيشه.
 

لنعود إلى الحالة الخليجية. لو قارنا حياتنا العراقية بحياة الخليج طبعا الفرق شاسع جدا من الناحية السياسية والسيادة الوطنية وقيمة المواطن والرفاهية فاقل مقارنة هي أن الخليج يعيش في أمان منذ تأسيسه وإلى الأن في حين أن الخليج لا يملك 250 حزب أو كيان سياسي ولا يملك ألاف البرلمانيين ولا محللي السياسة ومفكري الإصلاح مثل العراق! ولم تخض حروب السيادة الوطنية ولا حماية أراضيها ولم تقدم ألاف الضحايا.

إذن الإجابة على التساؤل الخليجي بسيط وهو أن ملوك الخليج اختصروا الطريق على شعبهم لنيل حقوقهم المادية والمعنوية فبدلا من صرف الأموال للقنوات السياسية والأحزاب يصرفونها على القنوات الرياضية وبدلا من انقسام الشعب على كتل وكيانات سياسية انقسموا على الفرق الرياضية وبدلا من صنع نجوم سياسية صنعوا لهم نجوم رياضية وبدلا أن يصرفوا الأموال على الهيئات الانتخابية يصرفونها على الهيئات الرياضية وبدلا من صنع محللين السياسات صنعوا محللي الرياضة.

فكل تفكيرهم وجهدهم منصب الأن على الرياضة لتفريغ جميع الشحنات الغاضبة في الرياضة بدلا من السياسة مع الرفاهية وإعطاء حقوقهم وبهذا العرض المقتضب يظهر لنا مدى فشل الديمقراطية في العراق ومدى فشل الساسة والمتحكمين بالشعب العراقي وهم لم يفشلوا في إنجاح العملية السياسية فقط بل فشلوا أيضا في كيفية إدارة غضب الشعب ومعالجته والضغط الهائل الذي وقع علينا بسببهم لذلك تجد الشعب فوضوي في كل شيء لا سيما في متابعة الأندية الرياضية فتقع حالات القتل وضرب ومعارك بين الجماهير الرياضية.. والمواطن نفسه لا يستطيع تفسير سلوكه العنيف ولا يدرك لماذا يتصرف بوحشية إلا أنه يعلم أنه غاضب جدا جدا من الساسة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.