شعار قسم مدونات

"أحلام" فلسطين حقيقة

blogs - أحلام التميمي

على مر عقود مريرة، أبدع الفلسطيني حيث حلّ في فنون رفضه ومقاومته لسياسة الأمر الواقع التي فرضها الاستعمار الغربي عنوة على الأرض الفلسطينية، وعلى مر عقود سطعت شموس فلسطينية عدة ضحت بأغلى ما تملك من أجل قضيتها العادلة، ولعل من السهل أن نعدد أسماء مقاتلين وفدائيين ومجاهدين قاتلوا من داخل وخارج فلسطين وقدموا أرواحهم رخيصة على درب عودة شعبهم وتحرير أرضهم وإنسان أرضهم من دنس الاحتلال المقيت. 

ولازال شعبنا يقدم نماذج فريدة ومتكررة يوما تلو الآخر، ليُبقي ذاكرة هذه الأمة المنهكة حية، ويلفت انتباهها المرهق إلى أنه لا زالت هناك قضية اسمها (فلسطين)، وهناك محتل اسمه (الكيان الصهيوني) هو أُسُّ كل بلاء ومرض فيها، ولن تتعافى تماما حتى تستأصل هذا الورم الذي يتغلغل رويدا رويدا في جسدها الذي أنهكته العوارض الجانبية لهذا الداء العضال.  إلا أن الأيام القليلة الماضية قدمت لنا نموذجين فريدين أظهرا لنا أنواعا شتى من أشياء قد تبدو اعتيادية لكنها أظهرت كم كانت تحتاجها (فلسطين) حقا. 

من ير جسم باسل وهيئته لا يخيّل له ولو للحظة أنه يقوى على حمل سكين، لكن من يعرفه عن قربٍ يدرك أنه أمام بطل أرّق الصهاينة وأذنابهم، ولولا خيانة من يزعمون أنهم أبناء جلدته لما تمكنوا منه

(باسل الأعرج) أو (الثائر باسل) أو (المثقف المشتبك)

أي اسم هو بالتأكيد يليق بقامة فريدة كباسل- ذلك الجندي الفلسطيني المثقف الذي طبّق المقاومة بكافة حذافيرها، قولا وفعلا، تنظيرا وتطبيقا عمليا، سلمية ومسلحة، جماعية وفردية، سلوكا ومظهرا، فاستحق أن يكون رمزا لفلسطين كل فلسطين، فاحتفت به فلسطين كل فلسطين، شبابها وكبارها، ذكورها وإناثها، مقاوموها ومثقفوها، أهل مدنها وفلاحوها، حتى أهلنا في ال48 لم ينسوا باسل وكان لهم شرف الاحتفاء به وتخليد بطولاته. 

لقد شكّل (باسل) حالة فريدة ومثالا (غريبا) للمثقف الذي لم يكتف بمجرد التنظير – مثلنا- وإنما طبق ثقافة المقاومة على أرض الواقع فلم يستسلم ولم يجبن ولم يتراجع، بل صمد وتلقى رصاصات الغدر والاستفراد في صدره مقبلا غير مدبر، ليمتزج دمه بحبر كتبه وأقلامه التي كان يسطر بيها تنظيراته لأقرانه يرشدهم فيها للطريق الأمثل لتحقيق الهدف النهائي المتمثل بالتحرير ألا وهو (الاشتباك)!! 

من ير جسم باسل وهيئته لا يخيّل له ولو للحظة أنه يقوى على حمل سكين، لكن من يعرفه عن قربٍ يدرك أنه أمام بطل أرّق الصهاينة وأذنابهم، ولولا خيانة من يزعمون أنهم أبناء جلدته لما تمكنوا منه، وباختصار نموذج باسل يقول لنا: أي مثقف لا يكون كباسل فلا خير فيه ولا في ثقافته. 

لم تكد تهدأ نشوتنا باستشهاد باسل و(زفته) التي جعلت العالم يقف مذهولا أمام شموخ الأب العظيم – الذي ودّع ابنه المثقف المشتبك بتحية عسكرية نكاية بنياشين (الضميري) الكاذبة -، وأمام ابتسامة أم باسل – في وداع ابنها كما عودتنا أمهات أبطالنا الشهداء-، حتى ظهرت لنا (بطلة) من نوع آخر تماما أظهرت لنا كم كنا نفتقد منذ زمن موقفا كموقفها من أي شخص وصل لمكانتها أو نظيرٍ لها.

(ريما خلف)

تلكم السياسية والإدارية الأردنية المتميزة التي شغلت العديد من المناصب في الأردن وغيره حتى تبوأت منصبا مهما في الأمم المتحدة، قدمت درسا مهما لغيرها من السياسيين والدبلوماسيين العرب والذين يكادون يغبيون عن المشهد من سنين عدة في مواقف هي أقل ما يمكن أن يقدمه أحدهم من مواقع مسؤولياتهم المختلفة.  فقد استقالت (ريما) احتجاجا على ضغوط عليها – بصفتها الأمين التنفيذي لمنظمة الإسكوا- لسحب تقرير يدين (الكيان الصهيوني) ويعرّي سياساتها العنصرية والاحتلالية والتهويدية، حيث قالت بما معناه: " سأتنحى ليقوم غيري بما منعني ضميري من أن أقوم به". 

موقف (ريما) – رغم رمزيته وتشكيك (البعض) بدوافعها وهي التي لم يتبقى على انتهاء عقدها سوى أسبوعين- أظهر عطش (فلسطين) قضيةً وأرضا وشعبا وأمةً لمثل هكذا مواقف من شخصيات (رفيعة) المستوى، يتسلل منها شيء من الأمل ولو يسير أن في هذه الأمة – في كافة طبقاتها- لازال الخير وفير، وليس أدلّ على ذلك من الاحتفاء بهذا الموقف الذي أشغل الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي. 

 

إلا أن ثمة حدث بين هذين الحدثين الكبيرين نغّص على فلسطين وشعبها ومحبيها، تمثل في مطالبة الولايات المتحدة من الأردن تسليمها المحررة البطلة أحلام التميمي بدعوى أنها ساهمت في عملية أدت لمقتل مواطن أمريكي في تلّ أبيب!! 
 

ستظل الأيام حُبلى بنماذج فريدة ستقدمها الأمة – رجالا ونساءً، كباراً وصغاراً- على طريق التحرير وتحقيق العودة وحيازة الكرامة والاستقلال، فما قبل (باسل) و موقف (ريما) وما بينهما من تعاطف الأمة مع (أحلام) فلسطين، ستحيا (فلسطين)

لا نستغرب "وقاحة" هذا الطلب بقدر ما نستغرب ازدواجية المعايير لدى راعية الإرهاب الصهيوني الكبرى والتي لم تنبس ببنت شفة بعد مقتل مواطنتها (راشيل كوري) على يد قوات الاحتلال وبشكل مباشر ومصور وموثق، والآن تأتي لتطالب بدم ذلك الصهيوني الأمريكي الذي قضى في عملية بطولية كانت ردا طبيعيا من شعب ذاق الويلات على يد محتليه، ولو وضعنا هذه المطالبة في سياقها السياسي الطبيعي، فإنها قد تُفسَّر على أنها مساهمة مجانية من الحكومة الأمريكية الحالية ورئيسها المتطرف (ترمب) في تحريك ملف صفقة تبادل الأسرى بين الكيان الصهيوني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كورقة ضغط خاصة مع ثبات الحركة على شرطها إطلاق سراح كل من أعيد أسره من المحررين في الصفقة الأخيرة (وفاء الأحرار) قبل الشروع في المفاوضات حول صفقة جديدة، وهذا ما يجعلنا نعتبر هذه المطالبة وبهذا التوقيت بالذات "وقحة" ولا معنى لها. 

عموما، لست هنا بموضع المقارنة بين ما قدمه (باسل) والموقف الذي وقفته (ريما)، فالشهداء لا يُقارَنون إلا بأقرانهم ولا يضاهي تضحياتهم وبطولاتهم إلا ما قدّم أمثالهم؛ لكن تتابع الحدثين زمانيا دفعني لتسليط الضوء على شيء مما كان ينقص قضيتنا الفلسطينية، المثقف المشتبك، والسياسي الذي لا يتنازل عن مبادئه مهما كانت الضغوط. 

وستظل الأيام حُبلى بنماذج فريدة ستقدمها الأمة – رجالا ونساءً، كباراً وصغاراً- على طريق التحرير وتحقيق العودة وحيازة الكرامة والاستقلال، فما قبل (باسل) و موقف (ريما) وما بينهما من تعاطف الأمة مع (أحلام) فلسطين، ستحيا (فلسطين) وتستمر في مقاومتها هذا الاحتلال البغيض بكل ما أوتيت من وسائل، وما بين (المثقف المشتبك) و (السياسي ذو المبدأ) ستبقى فلسطين منارةً تهدي كل باحث عن الكرامة والعزة، وبوصلةً وحيدة يتفق عليها الأحرار حيثما كانوا وأين ما حلّوا ومهما تبوأ الواحد منهم من المناصب أعلاها وأهمها، لأن (فلسطين) أعلى من الجميع و(أحلامها) ستصبح حقيقة دون شك، فالله هو الذي وعد ووعده الحق، وهو أعلى وأجل. 

وإلى لقاء حتمي في فلسطين.. كل فلسطين ..

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان