شعار قسم مدونات

مصر.. وطنُهم ووطنُنا

A group of camels and horses stand idle in front of the Great Pyramids awaiting tourists in Giza, Egypt March 29, 2017. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
المواطن هو أساس أي دولة وتعمل الدولة بكل إمكانياتها طاقاتها كي تحفظ لهذا المواطن حقوقه وضمان حريته ورفاهيته. فالمواطن له الحق العيش علي أرضها، له الحق في الرعاية الصحية، له الحق في أجر يضمن له الحياة الكريمة، يتلقى كل المساعدات والتسهيلات إذا أراد أن يرتقي بمستوي معيشته أو أن يبدأ في مشروعه الاقتصادي ولو صغير، يشعر بأمان داخل دولته لا يستطيع أحد أن يحجب حريته أو يعتدي عليه.

إذا نظرنا إلي مصر – ولا أدري إن كان هذا التوصيف أيضا موجودا في دول عربية أخري؟!- ففي وجهه نظري هناك جنسيتان مصريتان: مصري أصيل ومصري افتراضي. وكان أول من صرح بهذا التقسيم الفنان علي الحجار في أغنيته الشهيرة "أنتو شعب و إحنا شعب"، الجنسية الأصيلة هي التي تتمتع بكل مميزات المواطنة في مصر مثل أي دولة في تحترم مواطنيها.

وتتكون هذه الطبقة من أفراد القوات المسلحة والشرطة والسلك القضائي وبعض الإعلاميين ومشايخ السلطان ولاعبي كرة القدم والفنانين، وأظن أن هذه الطبقة لا تتعدي المليون شخص، أما الجنسية المصرية الافتراضية هم فقط من ولدوا علي تلك المنطقة الجغرافية في الشمال الشرقي من قارة إفريقيا والتي تسمي بمصر، ويمثلوا أغلبية سكان هذه المنطقة والتي يبلغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.
 

إذا نشبت بين المصري الأصيل وبين أحد المصريين الإفتراضيين مشاجرة فيستطيع بكل أريحية أن يقتله لأنه فوق قانونهم ولا أحد يستطيع أن يحاسبه.

الجنسية الأصيلة هي التي تكوّن الحكومة، لكي تحكم وتتحكم وتسيّر شؤون المصريين الافتراضيين. بالطبع كل التشريعات والقوانين والقرارات التي تقوم بها تلك الجنسية الأصيلة تكون في صالحهم ولا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالمصري الافتراضي، فاذا حدث أي عجز في موازنتهم فيأخذون أموال الضرائب من المصري الافتراضي حتي لو وصل بهم الامر الي دعوة أصحاب الجنسية الافتراضية الي "صبح علي مصر بجنيه" أو "انا عاوز الفكة " أو زيادة فواتير الكهرباء والماء والمشتقات البترولية.
 

وأذكر بعض الفوارق بين الجنسيتين للمثال وليس للحصر

تجد دائما المصري الأصيل يعتز بجنسيته المصرية و يدندن بأغانيها الوطنية ولا يفكر أبدا بالسفر خارج موطنه للبحث عن الرزق أو الحياه الكريمة أو الحرية، فلا تري شرطياً مصرياً او ضابطاً بالقوات المسلحة يطير قلبه فرحاً إذا وجد فرصة عمل في دولة اخري!! ويري المصري الأصيل أن من يتخلي عن جنسيته المصرية للحصول علي جنسية دولة أخري هو نوع من أنواع الخيانة ونكران الجميل للجنسية المصرية -مثلما حدث مع المصارع البلغاري-.
 

الرعاية الصحية، فالمواطن المصري الأصيل له مستشفياته، كل فئة لديها مستشفياتها الخاصة، مثل مستشفيات القوات المسلحة ومستشفيات الشرطة، والتي لديها كل التجهيزات والإمكانيات، حتي بعض الزملاء العاملين في هذه المستشفيات يتحاكون عن كمية الأدوات والأجهزة الحديثة الموجودة في تلك المستشفيات والتي في أحيان كثيرة لا يعلمون كيفة تشغيلها أو الاستفادة منها.

وللفئات الأخرى غير أفراد القوات المسلحة و الشرطة، هناك المستشفيات الخاصة التي يتعاقد معها بقية أفراد تلك الجنسية الأصيلة، فالمصريين الأصلاء لهم الحق في العلاج في هذه المستشفيات وبأسعار مخفضة قد تصل إلي المجانية.

الجنسية الأصيلة هي التي تكوّن الحكومة، لكي تحكم وتتحكم وتسيّر شؤون المصريين الافتراضيين. بالطبع كل التشريعات والقوانين والقرارات التي تقوم بها تلك الجنسية الأصيلة تكون في صالحهم.

علي العكس، الجنسية الافتراضية فتتمتع بالرعاية الصحية الكاملة في مستشفيات وزارة الصحة المصرية التي تفتقر معظمها للمعدات والموارد -وفي القريب إذا تم الموافقة علي قانون المهن الطبية سوف تفتقر الي الاطباء أنفسهم-. وإذا كنت تحتاج الي إجراء أي عملية جراحية أو أي خدمة طبيه عليك أولاً شراء كل المتطلبات اللازمة من مالك الخاص. ولو كان المصري الافتراضي لديه بعض المال فيمكن أن يذهب الي العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة ليحصل علي الخدمة الطبية بأعلى الأسعار.
 

الأجور، سوف تجد أصغر فئات تلك الجنسية وهم أمناء الشرطة مثلا، فله مرتب أساسي حوالي ثلاثة آلاف جنيه، هذا غير الحوافز والبدلات والإتاوات التي يفرضها علي المصري الافتراضي. على العكس من ذلك تماما المصري الافتراضي، لا يجد أي فرصة عمل، ولو وجد فتكون بأقل الأجور، ولو أعتمد على نفسه وحاول أن ينفذ أي مشروع صغير سيأتي هذا المصري الأصيل ليقفل له كل أبواب الرزق أو يفرض عليه إتاوة يومية أو شهرية.

كذلك المصري الافتراضي الغني، اذا أراد القيام بأي مشروع كبير لا يتم الموافقة علي هذا المشروع إلا بإدراج أحد أفراد المصريين الأُصَلاء كشريك له في المشروع كي يسهل كل الإجراءات لكي يحصل علي التصاريح اللازمة وأيضا تكون الإتاوة الشهرية أو لنختار لفظاً أكثر جمالاً "نسبة من الأرباح".
 

السكن، فللمصري الأصيل تجمعاته السكانية الخاصة، بل مدن سكنية خاصة، أولا: يأخذ تلك العقارات بأسعار مخفضة، ثانيا بدون مقدم، ثالثا بقسط شهري بسيط لمدة طويلة من الزمن. فيأخذ ما يحلو له من العقار، وإن لم يسكنها، فهي نوع من أنواع التجارة الرابحة يبيعها للمصري الافتراضي بأعلى الاسعار.

أما المصري الافتراضي فلابد أن يسير في كل التعقيدات والاجراءات كي يحصل على أي عقار بالقسط. ولحل هذه المشكلة قامت حكومة المصريين الأُصَلاء بتشييد بعض العقارات وإجراء قرعة للمصريين الافتراضيين لضمان الشفافية والعدل في التوزيع، وطبعا تجد أسماء المصريين الأُصَلاء هم من فازوا بالقرعة !!!
 

لو جئنا للأمن والحرية فالمصري الأصيل فوق القانون الموضوع للمصري الإفتراضي، فاذا كان صاحب سيارة فلا يضع أرقام لسيارته، يكفي فقط أن يضع "هيئة قضائية" أو "نسر" علي لوحة الأرقام، كي لا يسأله أحد أو لا يعترضه أحد من المصريين الأُصَلاء إخوانه في الوطن. إذا كان يمشي في أحد الطرق السريعة فلا يدفع "إتاوة الطريق" مثله مثل المصريين الإفتراضيين.

كذلك المصري الافتراضي الغني، اذا أراد القيام بأي مشروع كبير لا يتم الموافقة علي هذا المشروع إلا بإدراج أحد أفراد المصريين الأُصَلاء كشريك له في المشروع كي يسهل كل الإجراءات.

إذا نشبت بينه وبين أحد المصريين الإفتراضيين مشاجرة فيستطيع بكل أريحية أن يقتله لأنه فوق قانونهم ولا أحد يستطيع أن يحاسبه، فاذا انتشرت قصته -وهذا لا يحدث إلا قليل- علي مواقع التواصل الإجتماعي فلا تقلق، سيقوم المصريين الأُصَلاء في الحكومة بتجميع الأدلة أن ذلك المصري الإفتراضي القتيل هو إرهابي، أو عميل لدولة أجنبية، أو خلية نائمة، أو طابور خامس، وعندها سوف تكون في نظر المصريين الإفتراضيين البطل الذي دافع عن أرض وطنه وقتل الأرهابي.
 

ولا أريد أن أظلم من يعتقدون أنهم مصريين أُصَلاء، فهم مقسمون أيضا الي طبقات لا يستطيع أحد منهم التعدي علي الطبقة الأعلي منه، فلا يتساوي أمين الشرطة مع اللواء أو القاضي مثلاً. لكنهم متساويين في ظلمهم وإحتقارهم وقهرهم للمصريين الإفتراضيين.
 

أنا أرفض مبدأ "التعميم" فلابد أن هناك الكثير من المصريين الشرفاء داخل من يعتقدون انهم مصريين أُصَلاء، ويعترضون علي هذا الظلم، ولكنهم قلّه، ولا يقدرون عن الإفصاح عن نواياهم، ولو أفصحوا سوف يكون مصيرهم مثل مصير أي مصري إفتراضي.
 

في النهاية نتمني أن يظهر لنا شخص مثل أحمد عرابي يجمعنا كـ"مصريين أحرار"، ويخرج أمام من يحكمونا ممن يعتقدون أنهم مصريين أُصَلاء والذين يدّعون أن:" كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا"، ليرد عليه قائلا: "لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقار فوالله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.