شعار قسم مدونات

رمضان والمحاضن التربوية

blogs أطفال في حلقة

تعبيرا عن فرحتنا كنا ونحن صغار نستقبل شهر رمضان الكريم بزينة نصنعها بأيدينا من الورق الأبيض أو الملوّن ونعلقها علي بيوتنا وشوارعنا كالحلي والتيجان علي الرغم من كون شهر رمضان لم يعني لنا وقتها سوي جلسة في المسجد بجوار المنبر قبل المغرب مضاف إليها مشاهدة الأعمال الفنية الطريفة مثل بوجي وطمطم وعم فؤاد وبدون كلام ثم الخروج إلى الشوارع للعب والضحك حتي موعد السحور والسير خلف طبلة المسحراتي .

وفي طفولتي المتأخرة أدركت أن لهذا الشهر منزلة عظيمة وقدر كبير عند الله تعالي وعند رسوله وقد ساهمت الحلقات التربوية التي كنت أواظب علي حضورها في المسجد في تشكيل هذا الوعي مما يدفعني إلى الحديث عن هذه الحلقات وغيرها من المحاضن التربوية وكيف عملت علي بناء شخصياتنا منذ الصغر.

الحلقة المسجدية 
كنا نجتمع في المسجد بعد صلاة العشاء في كل أسبوع مرة كان يوم الثلاثاء غالبا مع أستاذ فاضل نجلس حلقة حوله يبدأ هو بالحديث أولا الذي يكون نص من القرآن الكريم يتلوه ويطلب منا حفظه بعد أن يقرأه كل واحد منا أمامه مرة وهو يسمع ويصحح أما الفقرة الثانية فكانت حديث لرسول الله يذكره ثم يشرحه ثم يقرأه كل واحد منا مرة بصوت مرتفع قليلا مما يدفع الأطفال الذين خارج المسجد إلى الدخول والجلوس والاستماع والالتحاق وأحيانا بعض الكبار وفي الختام يرفع يده بالدعاء للإسلام والمسلمين ونحن نأمن خلفه ثم يوزع علينا تكليفات الأسبوع القادم فلان معه القرآن فلان معه السيرة فلان معه الصلاة ليأتي الأسبوع القادم وكلنا قد قام بواجبه فيبادرنا بالسؤال عن أحوالنا مع الأهل وفي الدراسة ثم ينصحنا في هذا الأمر أن وجد ما يستدعي ذلك وإلا فإنه يطلب من صاحب القرآن أن يبدأ أولا ثم يأخذ بيدي قائلا حسبك إذا أطلت الكلام في السيرة لننتقل إلى أخ كريم يحدثنا عن الصلاة أو القيام أو الصيام لكن هذه الحلقات لم تستمر طويلا داخل المسجد بسبب الإجراءات الأمنية التي نصت علي ضرورة إغلاق المساجد بعد الصلاة.

إن شهر رمضان الكريم كان لنا وسيظل واحة خضراء نستريح فيها من وعثاء السفر ونتزود منها لرحلة جديدة وكأنها محطة إيمانية تمدنا بكل ما نحتاجه من معارف عن الكون والإنسان والحياة

ليالي الاعتكاف 
أذكر أيضا ليالي الاعتكاف وكيف ساهمت في تربيتي علي تعظيم شعائر الله وتزكية نفسي ويكأنها دورة روحية مكثفة نخرج منها بكم هائل من الوجدانيات تدفعنا إلى اتخاذ قيم الإيجابية والأخوة والتعاون وحسن الصلة بالله تعالي كاتجاه لنا في الحياة يتجلى منذ أول يوم بعد شهر رمضان وهو عيد الفطر حيث نظل طوال ليلته نعد ونرتب المكان الذي سيجتمع الناس فيه لأداء صلاة العيد.

الرحلات الخلوية 
إن شهر رمضان الكريم كان لنا وسيظل واحة خضراء نستريح فيها من وعثاء السفر ونتزود منها لرحلة جديدة وكأنها محطة إيمانية تمدنا بكل ما نحتاجه من معارف عن الكون والإنسان والحياة ولقد كانت الرحلات الخلوية اليومية التي كنا نخرج إليها بعد العصر رافد هاما في إكسابنا هذه المعارف فقد كنا نتذاكر فيها سنن الله في كونه من خلال قصص القرآن وسير الأنبياء وبطولات المجاهدين كخالد بن الوليد تلك الشخصية التي أحببتها كثيرا ورأيت فيها النموذج المثالي للقيادة العسكرية التي جمعت بين النبوغ العقلي والجسارة الحربية والإخلاص لله تعالي قيم عالية وركائز أصيلة ومهارات شخصية أتساءل متي نراها في اوطاننا العربية وكيف السبيل إلى تحقيقها في أبناء هذه الأمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.