وحملة "مانيش مسامح"، التي انطلقت احتجاجا على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والماليّة، هي في الحقيقة تحرك اتخذ من الشارع وسيلة ضغط ومن الطاقات الشبابية سندا لإسقاط منظومة نخرها الفساد. ترتكز الحملة على مجموعة من المبادئ وهو ما يفسّر التعاطف الشعبي الكبير الذي حظيت به كما تمكنت من التحسيس بخطورة القانون المقترح، أمر عجز عنه السياسيون بلغتهم الخشبيّة في البلاتوهات التلفزيّة.
من يساند القانون؟
تتوحد المصالح عندما يتعلّق الأمر بالمال والسلطة التي تسعى اليها الطبقة السياسيّة (الأصح أن تسمى الطبقة الناهبة). الجميع يحاول أن التسلّق للوصول إلى مبتغاه مع تضليل للرأي العام وتغييب كلي لمصالح المواطن. فعبر دعاية استهلاكيّة لرديئة تنتج في كل مرة الية جديدة للتمادي في الفساد ولمزيد التغلغل وفرض الهيمنة في مفاصل الدولة. قانون المصالحة يمثل معيارا للتمييز بين المصطفين ضدّه (بقطع النظر عن توجهاتهم السياسيّة) والمساندين الذين يتبين لنا أنهم صنفين، أبواق دعاية للنظام القديم أو أولئك الذين لهم مصلحة للتغطية على تجاوزات الماضي والمواصلة في نفس النهج. أحس هؤلاء بخطورة التحرك وضغط الشارع فسخروا مجموعة من أبواق الدعاية الذين احتلوا وسائل الاعلام مدافعين عن هذا القانون ومتخفين خلف شعارات المصالحة والعدالة الانتقاليّة.
حملة "مانيش مسامح"، التي بدأت من العاصمة، انطلقت لتجد صدى في جل الولايات. المحتجون يشتركون في مجموعة من المبادئ لعلّ أبرزها هو مقاومة رغبة أصحاب السلطة في تمرير مشروع قانون المصالحة والمصادقة عليه في مجلس نواب الشعب. |
قانون في خدمة الفاسدين
الفصل 2 "ينتفع بالعفو الموظفون العموميون وأشباههم…"، الفصل 16 "يتم العفو عن مخالفات الصرف التي ارتكبها الأشخاص من ذوي الجنسيّة التونسية.." تعكس هذه الفصول التوجه العام لمشروع قانون المصالحة وتكشف عن المستفيدين الحقيقيين منه. لأشباه الموظفين على معنى الفصل الثاني هم القناصل، السفراء، الوزراء وكل من تقلدوا مناصب سياسيّة في الحقبة الماضية. يخول لهم الفصل التملص من مسؤولياتهم وتجاوزاتهم المتعلقة "بالفساد المالي والإداري بشرط عدم تحقيق منافع مصرح بها" كما يشير الفصل إلى المرور مباشرة الى مرحلة العفو/المصالحة ولا يلق بالا للمحاسبة إذ "تسقط العقوبة بموجب العفو".
ههنا يكتسي هذا القانون صبغة سياسية فقد وقعت صياغته على مقاس لصالح فئة معيّنة بهدف حمايتهم والتغطية على تجاوزاتهم. وهو ما يتأكد إذا ما دققنا في الفقرة الثالثة من الفصل 16 التي تنص على أنه "يتوجّب دفع مبلغ مالي يقدر ب5 بالمائة من قيمة المكاسب المصرح بها في تاريخ التملك او من المقابل بالدينار للمداخيل او للأرباح او للعملات التي تمت إعادتها.." لقد نظم الباب الخامس -بطريقة غير مباشرة- تبييض مرتكبي مخالفات الصرف والمتهربين من الجباية إذ يقترح القانون إرجاع المبلغ الذي وقع الاستيلاء عليه مع فائض، كما يتمتع المنتفعين بالغفو بإعفائهم من دفع "الضريبة على الشركات وخطايا التأخير المتعلقة بها والمستوجبة على المداخيل والأرباح أو المكاسب موضوع العفو ومن أي تتبّع قضائي في مادة الصرف موضوع العفو".
إنّ مشروع قانون المصالحة هو في الحقيقة مشروع حماية الفاسدين وتشجيع التهرب من المسؤولية والمحاسبة. كما أنه يضرب مسار العدالة الانتقاليّة فهو لا يغطي تجاوزات وجرائم الماضي فقط بل يشرعن ويمهّد لتجاوزات أكثر خطورة في المراحل القادمة.
"مانيش مسامح" وضغط الشارع
ماذا يمكن أن يوحّد مجموعة من المحتجين في كامل تراب الجمهورية وفي مختلف المناطق؟
حملة "مانيش مسامح"، التي بدأت من العاصمة، انطلقت لتجد صدى في جل الولايات كما وصلت أيضا إلى فرنسا وكندا والعديد من البلدان الأخرى. المحتجون يشتركون في مجموعة من المبادئ لعلّ أبرزها هو مقاومة رغبة أصحاب السلطة في تمرير مشروع قانون المصالحة والمصادقة عليه في مجلس نواب الشعب.
تحت شعار "ما يتعداش" (لن يمر) أظهر مساندو هذه الحملة وعيا سياسيا غيّر من نظرة الطبقة السياسيّة الحاكمة للتحركات الشبابيّة. فالتنظيم محكم والكلّ يستطيع أن يدافع عن وجهة نظره ويمكنه أن يوصل صوته. كما أن الحملة ترتكز على جانبين، الأول هو الالتجاء الى الشارع كأهم وسيلة ضغط ضد تمرير القانون والثاني هو النقاش في وسائل الإعلام وإبراز تهافت حجج المساندين لمشروع قانون المصالحة.
أمام سطوة السلطة ومحاولة تمريرها لقوانين تتجاوز الهيئات الدستوريّة وتغطي على الفاسدين، كانت حملة "مانيش مسامح" بمثابة القوة المضادة التي أكدت ان الشباب قادر على ابراز وعي سياسي والتظاهر للتعبير عن رأيه بطرق سلمية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.