شعار قسم مدونات

هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟

blogs - قراءة
"قراءة الروايات مضيعة للوقت"، كثيراً ما نسمع هذا الكلام إذا ما جاء ذكر الروايات في حديث حول القراءة وعن الفائدة التي سنحصل عليها من قراءة الروايات وما الجدوى منها. في البداية يجب أن نعرف ما هي الرواية؟ الرواية هي فن أدبي تعبيري تستخدم للتعبير عن الذات أو عن حدث تاريخي أو سيرة ذاتية أو عن موقف وموضوع معين مثلها مثل القصة والشعر والمقالة وغيرها من الفنون الأدبية لها اساليبها وأسسها التي تُبنى عليها.


تساهم الرواية في تنمية وصقل المهارات الكتابية وتساعد بعضها في التعبير عن النفس واكتساب مهارات التعبير، خاصة الرويات التي كتبت على يد أدباء لديهم قدرة تعبيرية بديعة من حيث أنها تعلمنا طريقة التعبير بشكل رصين كما أنها تكسبنا ثروةٌ لغوية وأدبية كبيرة.

ويقول الروائي والكاتب البيروفي الحائز على جائزة نوبل للآداب ماريو بارغاس يوسا: "أحد منافع الأدب للشخص في المقام الأول تكمن في اللغة. المجتمع الذي لا يملك أدبًا مكتوبًا يعبر عن نفسه بدقة أقل، وأقل وضوحًا من مجتمع يحمي طريقة التواصل الرئيسية له، وهي الكلمة، بتحسينها وتثبيتها عن طريق الأعمال الأدبية. إنسانية بلا قراءة، ولا يصاحبها الأدب ستنتج ما هو أشبه بمجتمع صم وبكم، ناقص الفهم وذلك لعلته اللغوية. وسيعاني من مشاكل هائلة في التواصل نظرًا للغته البدائية. وهذا يقع على مستوى الأفراد أيضًا، فالشخص الذي لا يقرأ، أو يقرأ قليلًا، أو يقرأ كتبًا سيئة، سيكون لديه عائق: ستجده يتحدث كثيرًا ولكن المفهوم قليل، لأن مفرداته ضعيفة في التعبير عن الذات".
 

ثقافات الشعوب وتفاصيل حياتهم لا نجدها إلا في الروايات وشغف المعرفة والاطلاع على التفاصيل الدقيقة لا يشبعه أي فن من فنون الأدب إلا الروايات.

نستخلص من ما يقوله يوسا إلى أن القراءة في الأدب تساهم بشكل كبير في تنمية مهارة التواصل عبر الكتابة والحديث لأنها توسع من ملكتنا اللغوية وتزيدها ثراء ومعرفة. كما أن للروايات فوائد أخرى منها تبسيط العلوم وتسهيلها لغير المختصين فيها ونلاحظ ذلك في رواية (عالم صوفي) لجوستاين غاردر التي تناولت الفلسفة وتاريخها ومراحل تطورها. كذلك كتاب ( قصة الايمان بين العلم والفلسفة والقرآن) لنديم الجسر إن كنا نستطيع أن نعتبره رواية يختصر فكرة الإيمان عند الفلاسفة وكيف تطورت.

كما أنه لا يمكن للجميع أن يستسيغ قراءة الدراسات الأكاديمية ولغة الأرقام وغيرها لكنهم من الممكن أن يقرأوا القصص والروايات بكل يٌسر وسهولة لما يتخللها من متعة وسرد وجذب لانتباه ذهن القارئ. الروائي الروسي فيودور ديستويفسكي روائي استطاع أن يسبر ويغوص في أغوار النفس الإنسانية ويعبر عنها بشكل عجيب ورهيب وعميق، إلى درجة أن عالم النفس الشهير سيجموند فرويد يقول أنه استعان به واستفاد منه كثيراً في أفكاره ونظرياته التي دونها في علم النفس.
 

الروايات تساعدنا على تكوين فكرة وإن كانت بسيطة أو أحياناً سطحية عن واقع مجتمع من المجتمعات ولنا مثال في ما أبدع نجيب محفوظ في وصف بعض جوانب حياة المجتمع المصري وتفاصيله الحياتية الدقيقة خير مثال، وكذلك على معرفة بعض الفترات التاريخية في حياة الشعوب كما فعل إبراهيم عبدالمجيد في ثلاثية الإسكندرية، (لا احد ينام في الإسكندرية – طيور العنبر – الإسكندرية في غيمة).

عند قراءتك لإحدى روايات هذه السلسلة تستشعر كيف كانوا يعيشون تلك الفترات الزمنية وكيف كانت حياتهم كأنك بينهم بسبب الأسلوب التصويري البديع الذي يستخدمه الكاتب في رواياته. كما من الممكن أن تأخذ فكرة عن بعض التيارات الفكرية مثل الشيوعية أو الاشتراكية من خلال روايات جورج أورويل رواية 1984 ورواية مزرعة الحيوان، لكن لا يمكنك أن تحاكم الفكرة الشيوعية أو تنتقدها أو تتبناها حتى من خلال تلك الروايات.

ثقافات الشعوب وتفاصيل حياتهم لا نجدها إلا في الروايات وشغف المعرفة والاطلاع على التفاصيل الدقيقة لا يشبعه أي فن من فنون الأدب إلا الروايات. وهنالك الروايات التي تتناول مواضيع فكرية وتطرح أسئلة وجودية ولكن إذا لم تكن تضع صياغة منهجية للأجابات بشكل علمي رصين لم تزد على أن تكون عبثية وغير مفيدة في البناء العقلي.

القراءة في الأدب تساهم بشكل كبير في تنمية مهارة التواصل عبر الكتابة والحديث لأنها توسع من ملكتنا اللغوية وتزيدها ثراء ومعرفة.

كما يوجد الكثير من الروايات تنتشر وتكون في ركن الأعلى مبيعاً في المكتبات وسريعة النفاذ ولكنها للأسف لا تستحق ذلك لأن أسلوبها ركيك ومكتوبة بأسلوب عامي لا تتجاوز أن تكون حوار بين شخصين ويوجد دور نشر متخصصة في هذا النوع من الروايات، وغالباً ما تكون بمضمون غرائزي يتحدى الذوق العام ويتحدى اخلاق المجتمع فضلاً عن الجانب الفني والبنائي الهزيل فيها تشتهر بشكل كبير وهي بلا فكرة قيمة ولا مضمون يستحق النشر ويرجع بعض الأحيان سبب الشهرة الى طريقة الترويج التي تقوم بها دور النشر وبعض المروجين لها وغيرها من العوامل.

والكثير من التجارب الناجحة التي توفرها قراءة الروايات التي غالباً ما تحاكي واقعنا الذي نعيشه للاستفادة منها والنهل من تجارب غيرنا بما ينفعنا. و الروايات الجيدة تحتوي على الكثير من الأفكار التي توسع من مدارك القارئ، الغاية قد تكون ليست بكمية المعلومات التي تحتويها وانما بما يلامس روحك وأفكارك ويكون له الأثر الإيجابي في مسيرتك في هذه الحياة.

وفي النهاية نخلص الى ان الروايات فيها جوانب إيجابية جميلة ومفيدة وممتعة ومن الممكن أن نجد فيها ما لا نجده في غيرها من التفاصيل وبلا شك هي سلاح ذو حدين. ولا يمكننا ان نعتبر الروايات بديلاً عن الدراسات العلمية الموثوقة في تبنّي الأفكار والقناعات كما يجب ان يعي القارئ خطورة العبارات الرشيقة والجميلة التي تغلف الأفكار الضعيفة والهزيلة وأن يتأمل ويفكر ويحلل كل ما يستحق في أثناء قراءاته المتنوعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.