شعار قسم مدونات

اللا عنف في ميزان القرآن

blogs قرآن

قال تبارك اسمه (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8. العالم من حولنا، مشحون بدعاوى الحرية والسلام والسعادة والأمان. منظمات ومؤسسات وجمعيات، ورايات وصحف ومجلات، ونقابات واتحادات، ترفع وتنادي بذات الدعوى، وتلوح بالغصن كشعار، وتطير له الحمامات فهل ثمة حقائق يمكن الاستناد عليها، أم هو السراب والضباب والوهم والتخدير والأماني والأحلام!؟ هل سيجدي نفعاً أن نروج للأكاذيب وللأباطيل وللأسمار؟ 

إن إسقاط خيار الجهاد في سبيل الله، فيه تعطيل لمقاصد الشريعة الربانية المنزلة، وإن إسقاط خيار الدفاع عن الدين والأنفس والمال والأرض والعرض والحرية، فيه انتهاك لقوانين الفطرة الإنسانية، واستحلال للمحرمات القطعية في شرائع السماء وقوانين الأرض.

هلموا معي أيها الإخوة والأخوات، لنستعرض مقاصد وأغراض فريضة الجهاد في المنصوص والمفهوم القرآني :

1- لإعلاء كلمة الله وإزاحة أنظمة الطغيان ودك حصون الكفر والإلحاد؛ ثم ليختار الناس معبودهم بحرية وليتحملوا مسؤوليات هذا الاختيار، (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء 76.

2- لرفع راية العدل ودفع واقع الظلم وإعلان الحرية والتحرير، وحماية مشروع التكريم الإلهي للمستضعفين في الأرض، (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) النساء 75.

لو قيل لرجل اختصر لنا تعاليم الإسلام في كلمات، لما استطاع أن يتجاوز ما ذكره الإمام الشهيد حسن البنا؛ الذي صدح بالشعار الكبير(الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)

3- لإتمام صفقة العقد المبرم بين الرب المجيد والمؤمنين برسالته؛ فالغاية هي الفوز بالرضوان والعودة إلى الجنان وإلى الديار الأول، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 111.

4- كف بأس الذين كفروا، وكسر شوكة المتجبرين في الأرض، ممن عاثوا في الحرث والنسل؛ ظلماً وفساداً واستعباداً وقهراً وإذلالاً، (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) النساء 84.

5- بسط سيطرة المؤمنين بفضيلة وأولوية وأحقية وحكمة المنهج الرباني المنزل، وإسعاد البشرية بقيم السماء، والترقي في الأسباب وكسب القدرة وتسخير المقدرات؛ انحيازاً لقيم الرحمة والعدالة الاجتماعية، وتمكيناً لدين الله في الأرض حكماً وتحاكماً وتشريعاً واهتداء، (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء 74.

اليوم، لو قيل لرجل اختصر لنا تعاليم الإسلام في كلمات، لما استطاع أن يتجاوز ما ذكره الإمام الشهيد حسن البنا؛ الذي صدح بالشعار الكبير(الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، ومع ذلك فإن هذه الكلمات المضيئة وتلك السيرة العطرة المستبصرة، تكاد تضمحل وتتلاشى آثارها اليوم في مفاهيم ومواقف بعض المتصدرين لمشهد الحركة في ديارنا؛ في ظل سيطرة المال السياسي، واستحكام الرهان على الدعم الخارجي، وغلبة أنفاس الانتهازية والمقامرة والتلاعب المكشوف، وخوض المغامرات غير محمودة العاقبة، وقد بلغ بالمحسوبين على خط الإفتاء والتوجيه؛ أن يمهدوا بإعطاء الغطاء الشرعي للاستسلام والخضوع، والخوض فيما أشبه ما تكون محصلته؛ بحملة انتخابية مبكرة للعسكر سوسة حفتر، بينما لا نرى أثراً لهكذا دعاوى تتستر بالسلمية وبالواقعية في تعاملهم مع الفرعون المارق في أرض الكنانة. 

هذا الخضوع بالقول لا يُطمع إلا الذي في قلبه مرض؛ بأنه سينجو من مغبة جرائمه بمجرد أن يرتدي ربطة عنقه ويتهيأ لحملته الانتخابية، ولا ينم عن غير الهزيمة العميقة، واللهفة العجولة، ولا يشي بغير القابلية للسقوط والتردي في مهاوي الحزبية المقيتة، قال سبحانه وبحمده (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) السجدة 24.

فهل يُقبل أن تخضع أمة الجهاد والإيمان لإملاءات خصوم التوحيد في تفسير نصوص كتاب ربها وخاتمة رسالاته؟ هل يُمكن أن يرضى أعداء الملة والأمة باختياراتنا واجتهاداتنا وتوجهاتنا ويتركوننا في حرية وسلام وأمان ووئام؟! هل يُعقل أن نُعرض صفحاً عن أغراض الجهاد، لنسلك طرائق ومتاهات ما أنزل الله بها من سلطان؟! هل يمكن أن يتقبلوا تعايشاً سلمياً معنا، محفوفاً بأغصان التين والزيتون والتفاح والرمان؟! هل سيتواضعون لنا، أم هل سنغض الطرف عن عدوانهم وأفاعيلهم، وهم قد كفروا بالرحمن!؟

لكي تنهض شعوبنا وتستيقظ أمتنا، لابد أن نتعلم نحن ونعلمهم ونخبرهم في غير ربكة أو تلجلج، أن تحكيم الشريعة والولاء والبراء عليها وعلى أصول الإيمان؛ مقتضى وركن ركين من مقتضيات الاستقامة

قال تبارك وتعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة 216. إننا نعلم باليقين، أن للجهاد أغراض إيمانية وإنسانية وحقوقية وحياتية، أغراض ومقاصد، تتعلق ببسط العدل ورفع الظلم وكف بأس الطغاة عن المستضعفين في الأرض، الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، إنه صناعة للحياة، وضمانة للمكتسبات، وسياج لحفظ النظام والتنمية والمنجزات، إنه تأسيس للشرعية ورفع للواء الحق، وإرساء وتوثيق وتوسيع لهوامش الحقوق والحريات، وللضمانات وللمؤسسات، الجهاد والإعداد، فرائض وواجبات تستهدف إرغام ودفع خصوم الحق والعدل؛ للجلوس إلى مائدة الحوار والتفاهم والاعتراف بحق المؤمنين في بناء نظامهم، وترسيم مشروعهم، والمضي قدماً في إرساء تفاهمات السلام الممكنة.

نخلص إلى القول، أنه لكي تنهض شعوبنا وتستيقظ أمتنا، لابد أن نتعلم نحن ونعلمهم ونخبرهم في غير ربكة أو تلجلج، أن تحكيم الشريعة والولاء والبراء عليها وعلى أصول الإيمان؛ مقتضى وركن ركين من مقتضيات الاستقامة، وأن خصوم الشريعة والسنة والمنهج والقرآن، لن يستسلموا لمجرد إرادتنا بالحق في التعايش و الحياة، وأنهم ودوا أقصى درجات ما عنتم، وأنهم يودون لو كفرنا كالذي كفروا، وأن المواطنة حقوق وواجبات، وثقافة وسلوك، وأنه من جاهد فإنما يجاهد لنفسه، وأن الله غني عن العالمين، وأن وعد الله حق، وأن الله بالغ أمره، وأن الله هو القاهر فوق عباده، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.