شعار قسم مدونات

كيف تذبح دولة.. تزييف الوعي

blogs - sisil
"عرض المعلومات الحقيقية لم يعد له أي قيمة على الإطلاق، الشخص الذي تم غسل عقله لم يعد لديه القدرة على تقييم المعلومات والحقائق، الحقائق لا تعني أي شيء بالنسبة له حتى لو أغرقته بالمعلومات والإثباتات والصور سيرفض تصديقها حتى يتلقى صفعة تزلزل كيانه، عندما تسحقه البيادة العسكرية عندها فقط سيفهم".

تلك العبارات صرح بها "يوري بيزمونوف" ضابط الكي جي بي السابق والذي هرب إلى الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي وفضح الأساليب والطرق التي كان يستخدمها الاتحاد السوفيتي لإسقاط الدول، ويبدو أن القوم "العسكر" في مصر يتبعون تلك الاستراتيجية في التعامل مع الشعب المصري منذ عقود، عبر تزييف وعيه وإيصاله لمرحلة أصبح فيها يصعب عليه التفريق بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، مستخدماً في هذا جوقة من الإعلاميين والمشايخ والفنانين والمثقفين للسيطرة على الشعب وتزييف وعيه وتغيير ثوابته وهدم مقدساته وتقسيمه إلى طوائف تتناحر وتتقاتل فيما بينها.

بينما يقف النظام والمؤسسات التابعة له متفرجاً ومستفيداً من هذا التناحر الذي يجعله القوة الوحيدة المسيطرة على المجتمع المتحكمة في مصيره والسعي لدمج النظام متمثلاً في المؤسسة العسكرية والدولة بأكملها في كيان واحد، جاعلاً غالبية الشعب تقتنع أنه لو سقط وانهار فستسقط الدولة معه وتتفتت وتضيع (رغم أن الحقائق والشواهد والإثباتات على فساد الحكم العسكري واستبداده متوفرة أمام طوائف وفي متناول يده عبر وسائل الإعلام المختلفة الغير تابعة للنظام والسوشيال ميديا وعلى أرض الواقع في كافة المؤسسات وحياته اليومية).
 

ما إن اتفقت غالبية الشعب المصري بمختلف انتماءاتها وطبقاتها على مصرية جزيرتي "تيران" و"صنافير" وسوء الأحوال الاقتصادية حتى طفت على السطح فجأة قضية تكفير أحد المشايخ للمسيحيين!

ذكرت في تدوينتي السابقة (كيف تذبح دولة.. نظرية بيع يا وديع) كيف قامت سلطة الانقلاب العسكري في مصر بقلب الموازين والمفاهيم والثوابت لدى الشعب المصري والحقيقة أن هذه النتيجة لم تحدث عبثاً بل أتت نتيجة خطة ممنهجة لتركيع الدولة المصرية وابقائها خاضعة للسلطة العسكرية الموالية للغرب.
 

الركائز الفكرية لأي مجتمع (خصوصاً المجتمعات العربية والإسلامية) تعتمد على الدين والتعليم والثقافة والإعلام لذلك تسعى النظم الشمولية بمختلف أنماطها على إخضاع تلك الركائز وتطويعها لتكريس وجهة نظر النخبة الحاكمة.
 

إيجاد وتلميع كوادر دينية جديدة وتطويع القديمة لخدمة المؤسسة العسكرية وربط الثوابت الدينية بالتيارات السياسية المختلفة بحيث أصبح التلاعب بنصوص الدين وثوابته لخدمة النظام أحد أهم أهداف الدعاة والمشايخ لضمان استمراريتهم وتواجدهم واستبعاد كل من يحاول الدفاع عن الدين حتى لو كان من الموالين للانقلاب والداعمين للمؤسسة العسكرية وأيضاً دخول الفنانين والمطربين وحتى الراقصات في المجال الديني بهدف تحويل الدين من القدسية والتبجيل إلى الهزل والاستهزاء والتنظير وجعله مستباحاً لكل من هب ودب ومن ليس بأهل للتصدي لأمور الدين والفقه.
 

عدم الاهتمام بمنظومة التعليم وقصر دورها على تخريج أجيال من الشباب شبه متعلمين، متشبعين بأفكار غريبة عن المجتمع، ناقمة عليه، منفصلة عنه لكنها في نفس الوقت (في الحالة المصرية) ترى "المؤسسة العسكرية" هي الكيان الوحيد المتماسك والوطني والقادر على قيادة الدولة والحفاظ عليها.
 

العمل باستمرار على استمالة وإبراز الكتاب والمثقفين المغمورين وتلميعهم وفرضهم على المتلقي وجعلهم ضيوفاً دائمين على كافة وسائل الإعلام وإفساح المجال لهم للترويج لأفكارهم التي تضرب ثوابت الشعب في الصميم واستهداف جيل الشباب على وجه الخصوص وسلخه وجرفه بعيداً عن الموروثات التي تربى عليها من الانتماء لدينه ولثقافته ولأمته العربية والإسلامية وفي نفس الوقت نجد هؤلاء الكتاب والمثقفين يتبارون فيما بينهم لإرضاء العسكر واظهارهم بمظهر المنقذ للشعب الحامي له والمدافع عن الدولة وبقائها.
 

السيطرة على الإعلام وتوجيهه ليصبح صوتاً واحداً يسبح بحمد العسكر مروجاً لأفكارهم ويقوم بصرف نظر الشعب والهائه وإدخاله في معارك جانبية وابعاده عن المشاكل الحقيقية والرئيسية ويهاجم وبكل شراسة كل من يحاول انتقاد المؤسسة العسكرية ويذبح ويشوه النخب والكوادر الوطنية المعارضة للنظام العسكري والداعية لقيام نظام ديمقراطي ووضع المؤسسة العسكرية في وضعها الطبيعي كحامية للدولة لا حاكمة لها.
 

"العسكر" في مصر يتبعون تلك الاستراتيجية في التعامل مع الشعب المصري منذ عقود، عبر تزييف وعيه وإيصاله لمرحلة أصبح فيها يصعب عليه التفريق بين الحق والباطل.

و في مثال بسيط لو تابعنا الوضع على الساحة المصرية الآن لرأينا كيف يتم شغل الشعب المصري بمعارك جانبية تبعده عن العدو الرئيسي والمتسبب الأوحد لتلك المعارك فما إن اتفقت غالبية الشعب المصري بمختلف انتماءاتها وطبقاتها على مصرية جزيرتي "تيران" و"صنافير" وسوء الأحوال الاقتصادية حتى طفت على السطح فجأة قضية تكفير أحد المشايخ للمسيحيين وهجوم أحد الباحثين على السلطان صلاح الدين الأيوبي ورأينا كيف تم تضخيم الحادثين إعلامياً وما تبعها من انقسام ونقاش حاد حولها لتجد من كانوا كتلة واحدة بالأمس قد تحولوا إلى شيع وقبائل تهاجم بعضها البعض، بين مؤيد ومعارض مهاجم ومدافع.
 

الخلاصة
لا تجعل طوائف الشعب المختلفة تتفق على هدف واحد فيما بينها قد يدفعها للخروج ثائرة ضد النظام محاولةً اسقاطه، لابد وأن تسعى وبكل قوة لبث الفرقة وتغذية نار الخصومة بينها لتنهك بعضها بعضاً وتنشغل عن مشاكلها الرئيسية التي يتسبب بها النظام الحاكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.