شعار قسم مدونات

المجاعة العلمية والمساعدات الإنسانية

مدونات - الصومال

الصومال التي يعتمد معظم سكانها على الزراعة وتربية المواشي بطريقة مباشرة ما زالت تعاني دورات متكررة من الجفاف تضرب البلاد طولا وعرضا في جميع أنحاءها، ويتحول الأمر إلى مأساوي في بعض الأحيان عند انحباس هطول الأمطار بفترة طويلة عن موسمها المنتظر.
 

بدأت حدة تأثيرات موجات الجفاف في بداية التسعينات، حين أطيح الحكومة الحكومة المركزية وانفجرت في أرجاء البلاد فوضى لا مثيل لها، دمرت خلالها المصانع الغذائية ومحطات المياه والطاقة، وتوجه أثناءها تجار الفحم تحويل الصومال إلى أرض جرداء قاحلة، وبدأت هجرة العقول النيرة ونخبة المجتمع خوفا لأنفسهم من الحروب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل، ودمرت الأخضر واليابس.
 

المتضررين الذين نزحوا من منازلهم ولجؤوا إلى معسكرات اللاجئين لن يدوم شكواهم من الجفاف وشح المياه فقط، لكن سرعان ما يناشدون لمساعدات من نوع جديد مع أولى قطرات المطر.

وعندها عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وأعيد استخدام الأدوات البدائية في الزراعة بعد تعذر حصول الآلات اللازمة، وبدأ اعتماد الري عن طريق الأمطار الموسمية فقط، وفشت مشاكل الحشرات والأمراض النباتية الأخرى فهي من ضمن ما أورثه الجهل عن علوم الزراعة والتطورات الحديثة في هذا القطاع، واقتصرت ممارستها كمهنة وراثية واقتداء على آثار الأجداد.
 

إن الهيئات الحكومية والدولية المعنية في الشؤون الإنسانية وتنمية المجتمع لم تعد تهتم بكثير للحيلولة دون وقوع مثل هذه الكوارث، وتظل ترتقب المآسي لتبدأ عملها في الفترات القادمة وبغض النظر عن أسبابها الطبيعية والبشرية، وكأنها تحاول إبادة البعوضة دون أن تجفف المستنقعات أو أن العلاج خير من الوقاية.
 

وعلى عكس ما يقوله المثل المعروف "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد" تسعى الجهات الموكلة في الأمر إبلاغ الإمدادات الغذائية أثناء الكارثة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتنقل المياه بالحاويات بدلا من أن يحفروا الآبار العميقة ويوفروا لهم إمكانيات الزراعة والتخزين المناسب للغلات قبل أن تحل الكارثة الإنسانية.
 

والأغرب من ذلك كله أن المتضررين الذين نزحوا من منازلهم ولجؤوا إلى معسكرات اللاجئين لن يدوم شكواهم من الجفاف وشح المياه فقط، لكن سرعان ما يناشدون لمساعدات من نوع جديد مع أولى قطرات المطر، بعد انقطاع الطرق النائية، خوفا من الغرق للضعفاء منهم ولما تبقى من المواشي التي نجت من الجفاف، بسبب الفيضانات التي تجتاح مساكنهم في بدايات الربيع.
 

في ظل المجاعة العلمية المنتشرة حيث يأكل الناس ما يزرعون بعرق الجبين وبشق الأنفس وبعدم الإمكانيات اللازمة أصبحت المساعدات الإنسانية المتأخرة التي تأتي يوم الحصاد هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فتزيد للطين بلة، وتسبب تدهورا وانخفاضا واسعا في أسعار الغلات الزراعية، وقد كلفت هذه خسائر مادية على كثير من المزارعين بدلا ما كانوا يتوقعون من الأرباح.
 

المجاعات والفقر والأمراض وكل الكوارث الاجتماعية والعقبات التي صدت طريق تنمية المجتمع، وهي أيضا متلازمة القارة السمراء كلها التي أدت إلى وجود الذين يواجهون شبح المجاعة وهم قعود على أحجار الماس.

وكما هو الحال في قطاع تربية المواشي حيث تتم بالطرق التقليدية من دون أي رعاية صحية، ويُعتمد أحشاش الأرض كغذاء أساسي للمواشي، أما الماء فهي قسمة بينهم وبين الناس ومصدرها الآبار والوديان والبرك والأماكن التي تتجمع فيها مياه الأمطار والتي تجف غالبا عند احتباس هطول الأمطار لتغيرات المناخ الذي هو صحراوي أساسا وعندما تشح الأنهار مياهها.
 

الأمر الذي أدى عن تخلي الكثير عن ممارسة الزراعة بشكل نهائي بعد أن أصبح العائد لا يقدر حتى بتكاليف الإنتاج، واقتناعهم بنكد العيش في المدن الرئيسية أو الهجرة من البلد والالتحاق إلى معسكرات اللاجئين في الدول المجاورة، حيث تتم تغذيتهم على أيدي هيئات إغاثية أوروبية وأخرى تابعة للأمم المتحدة.
 

اليوم وبعد أيام فقط من ذلك الجفاف الجارف، بدأ الربيع وانهمرت أمطاره الغزيرة، وترى الوديان تجري في كل حدب وصوب، ويملأ نعيق الضفادع في كل بقعة تطأ عليها قدميك وكأنك في غابات الأمازون، فانطمست آثار الجفاف كأن لم يكن بالأمس، وفي هذه اللحظات بقيت المجاعة العلمية التي لم يسبق لها اكتشاف قبل أن تصلها الإغاثات والإمدات، وقل من يهتم في هذا الصدد.

 أما المجاعات والفقر والأمراض وكل الكوارث الاجتماعية والعقبات التي صدت طريق تنمية المجتمع، وهي أيضا متلازمة القارة السمراء كلها التي أدت إلى وجود الذين يواجهون شبح المجاعة وهم قعود على أحجار الماس، وإذا تمكن علاج هذه المشكلة سيتم الاستثمار من تلك الثروة الهائلة الموجودة في أنحاء البلاد وستغزو الصومال بمنتجاتها الجديدة على أسواق العالم مكتوبة عليها "صنع في الصومال"!!.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.