"أنا لست مزيفا أنا كما أنا في الواقع وعلى هذا العالم الافتراضي" جملة كنت قد قرأتها في أحد الأيام على الرغم من بساطتها إلا أن البعض يجد صعوبة في تجسيدها على أرض الواقع وكأننا نعيش في انفصام دائما ما بين الحياة الواقعية والحياة الافتراضية نعيش في دوامة تدور حول نقطتين كيف نحن وكيف يفترض أن نكون نعيش بشخصيتين واحدة لنا لا يعلم حيثياتها إلا نحن وبالطبع لا تظهر للعيان وواحدة للجمهور لا نريهم منها الا ما يريدون رؤيته واحدة تساعدنا على تمثيل دور المثالية شخصية لا تشبهنا في شيء إلا أنها تلعب الدور بشكل جيد وكأننا دمى في مسرح افتراضي كبير.
كم من رجل يمتلك حسابا باسم امرأة والعكس صحيح. على الرغم من فوائد مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة إلا أن آثارها السلبية على المجتمع لم تعد قابلة للتجاهل. |
في السابق كنا نعيش اللحظة بكل تفاصيلها ونستمتع بها أما الآن فنحن نصورها لنشاركها مع رواد هذا الفضاء ليعبروا عن تفاعلهم مها عن طريق زر "إعجاب" او التعليق تعليق ليس إلا مجاملة باردة خالية من أي مشاعر في اغلب الأحيان وكأن الهدف ليس أن نكون سعداء بل كيف نتظاهر بأننا سعداء وكأن الحياة ليست إلا صورة تعلق على جدار المظاهر وتحولت المشاعر من مفهومها العاطفي البحت إلى مفهوم رقمي يقاس بعدد الإعجاب والتعليقات.
فعلى سبيل المثال تجد من لا يفوت فرصة لعرض صور له ولأبنائه وهو لا يعرف بأي صف يدرسون وغيره ممن لا يغردون إلا عن بر الوالدين وهو لم يزر أبويه منذ سنة والأمثلة كثيرة فالعلاقات مع الأسف اختصرت في أزرار مرورا بالإضافة وصولا إلى الحظر فحتى الموت هو الآخر تأثر بثورة هذه المواقع ليصبح التعبير عن الحزن عن طريق صورة سوداء اللون وتحديث للحالة الإلكترونية وتغيرها إلى "أنا أشعر بالحزن الآن".
ففي كل مرة يظهر برنامج جديد يجلب معه نوع جديد من الأمراض النفسية إن صح التعبير فمع ظهور "السناب شات" و"الإنستغرام" نشأت الظاهرة الأغرب على الأطلاق والتي جعلت منا مجانين ظاهرة "السلفي" مصاحبة لهوس جديد انتشر بشكل مخيف ليظهر سلفي أنا أصلي الآن وأنا أتصدق الآن ليصل الأمر لسلفي أنا أنتحر الآن.
و بصفتنا ضحية هذا الاختراعات إلا أن هناك من وقع عليه الضرر الأكبر فمثلا فئة المراهقين اليوم تعاني بالإضافة إلى صراعها القديم تواجه نوع آخر فمع ظهور الفاشينستات وغيرهن من محدثي الشهرة لم تعد هذه الفئة العمرية تهتم إلا بشيء واحد وهو كيف أبدو كيف أكون جميلا من الخارج دون أي اهتمام بالجوهر أو كيف أصبح مشهورا.
في كل مرة يظهر برنامج جديد يجلب معه نوع جديد من الأمراض النفسية إن صح التعبير فمع ظهور "السناب شات" و"الإنستغرام" نشأت الظاهرة الأغرب على الأطلاق والتي جعلت منا مجانين ظاهرة "السلفي". |
فالمشاهير عادة لا يظهرون إلا الجانب البراق منها موارين الاكتئاب المصاحب لها فلك أن تتوقع كيف تكون حياة من لا خصوصية له هذه الحالة تكاد تكون هي السائدة لدى هذه الفئة لدرجة تحس فيها أنهم متشابهون جميعا كنخسة واحدة جميلة الغلاف صلبة المظهر ولكنها هشة من الداخل فهذه المواقع متاحة للجميع في أي وقت وفي أي زمان مع غياب للرقابة لتسهل مهمة صيد هذه الفئة العمرية من طرف المختلين او المرضى النفسيين إن صح التعبير.
هذه المواقع سلطت الضوء على حجم معاناة المجتمع النفسية فكم من شخصية محترمة ظاهريا صنعت لها قناعا عن طريق الشاشة فكم من رجل يمتلك حسابا باسم امرأة والعكس صحيح. على الرغم من فوائد مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة إلا أن آثارها السلبية على المجتمع لم تعد قابلة للتجاهل لا بد أن نجد لها حلا في أسرع وقت فهذه المواقع مثل الأسلحة ذات حدين بإمكانها أن تكون حاميا كما يمكن أن تكون القاتل الأمر يعتمد فقط على طريقة الاستخدام.
يقال أن أول خطوة نحو ايجاد الحلول هي أن نعترف بوجود المشكلة ليبقى السؤال الأهم كيف يمكن أن نحافظ على مجتمعنا وعلى هويتنا دون أن ننصهر في كل جديد وكأننا بلا هوية او تعريف كيف نواكب التطور دون أن نكون عبيدا له. ليبقى السؤال الأهم كيف نحافظ على التوازن النفسي في ظل تحولات هذا العالم الافتراضي؟!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.