شعار قسم مدونات

تفنيد تكفير اليهود والنصارى

مدونات - يهودي
بادئ ذي بدء فإن كل ملة لابد أن تنتحل شيئا من التكفير لغيرها، وإن ادعت أنها احتوائية من خلال الممارسات التي لا تعبر عن صلب الملة، وإلا لوقعنا في إشكالية كبرى وهي أنه يتساوى الحق والباطل، ويجوز أن يكون الشيء وضده معا في آن واحد، وهذه الحالة لا يعبر عنها إلا أنها حالة "تكافئ الأدلة"، فمع هذه الحالة لا يمكن أن تمتاز حالة معينة على الأخرى بل يجوز أن يكون الشيء ونقيضه شيئا واحدا، فكوننا نقول الإسلام هو ذاته النصرانية هو كقولنا: أن الله منزه عن الولد وننسب له الولد حقيقة، فتقابل النقيضين محال.

وإذا ما جئنا لتحرير المسألة على لسان النصارى فنسألهم: هل تقولون بإيمان من لم يعترف بعيسى ابنا لله أو لم يعتقد بالأقانيم الثلاث؟
فإن قالوا: نعم نقول بإيمانه .
نقول لهم: بهذه الحالة تخرجون عن مسمى النصرانية التي انتحلتموها، وأقررتم بعقيدة الغير لانتفاء اجتماع النقيضين كما ذكرنا آنفا، فلازم القول أنكم كفرتم بالنصرانية ولزم من هذا انتحال عقيدة مغايرة لعقيدتكم.

الإيمان يقتضي أن لا يلوث بشيء ينقضه أو ينقض الوحدانية لله، وهذا منعقده قبل النبي عليه السلام على اعتبار أنه جاء للتصفية فلو أمنوا به من الذين هادوا والنصارى والصابئين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

فإن قالوا: إن الكفر يعني أنني أبيح قتله، وهذا ما لا تقبله الإنسانية.
نقول لهم: يلزم من هذا أن تقتلوا طوائف النصارى المتناحرة إذ يلزم من كونك نصرانيا أن تلتزم طائفة بعينها فالأرثذوكس يرون أنهم المذهب الحق، والكاثوليك يرون أنهم منبع الفكر، والبروتستانت هي فئة انشقت عن الكاثوليك وهي تصف نفسها أنها حركة إصلاح، ولكل ممن ذكرنا طقوسا في العبادة بحسب التذوق، ونجد الخلافات بين هاته الطوائف والخلافات في جوهر المعتقد عندهم فمنهم من يرى أن الإله واحد بثلاثة أقانيم متساوية في الجوهر، ولكل خاصيته، فمن يقول بهذا القول فإنه يعتقد بقطعية أن التثليث عقيدة "وثنية"، بل ادعوا أنها ضد الله، ولازم من فعل التثليث عند هذا المذهب كفره..

وحتى إذا ما جئنا إلى الكتاب المقدس فمنهم من يعتقد بصحة كل الكتاب المقدس بكل أسفاره القديم منها والجديد، مضافا إليها الأسفار القانونية الثانية، بينما يرى البعض الآخر أن الأسفار القانونية الثانية ليست من الكتاب المقدس ولا يعتقد أنه موحى بها، مما يقتضي كفر واحدة من هاته المذاهب؛ لأن الكتاب المقدس ينبغي أن يكون من لدن الإله وإلا لما صح أن يكون مقدسا على مذهبكم، فهل يفترض مع هذه الأمور أنكم توجبون القتل على من اعتقد بخلاف معتقدكم من ذات الملة؟

ولازم ما ذكرنا منطبق على اليهود بل إن اليهود لا يصرح أحبارهم بإيمان المخالف ولا ينفون الكفر عن المخالف بل هو آكد في الظاهر خلا عن الباطن الذي عبر عنه الظاهر، وإذا ما استقرأت الديانة بطوائفها وجدت ذات الإشكال الموجود عند النصارى موجودا عند اليهود، فالسامريون قوم كفروا جملة اليهود، واعتقدوا بمعتقدات أخرجت ما عداهم من ملة اليهودية.

فهذه معتقدات أهل الكتاب في صلبها لم يقع التوافق على توحيد صفوفهم من ناحية اعتقادية، وهذا يؤكد النظرية التي انطلقت منها بادئ المقال أن: اجتماع الضدين محال.
نعود بعدها إلى استشكلات المسلمين في اعتبار اليهود والنصارى كفارا.

إن طبيعة الاستشكال الذي استشكله المسلمون في حقيقته لا يعدو أمرين:
أولهما: استشكال في توظيف بعض النصوص من ناحية تفسيرية مما يؤدي إلى انتكاسة المعنى أو إغفال جملة من الآيات التي تحكي كفرهم صراحة، وهذا نتيجته أنك تضرب الآيات ببعضها البعض فنصل إلى نتيجة أن الله يؤمر بالشيء وضده معا، فهم كفار وليسوا كفارا في آن واحد تعالى الله عن هذا القول. فنسألهم: كيف استشكلتم كفر اليهود والنصارى؟

فإن قالوا: أن الله قال في كتابه الحكيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، فنجد أن الله لم ينزع عنهم صفة الإيمان في الآية.

نقول لهم: في بداية الآية تكلم الله عن أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فنسب لهم الإيمان على ما انعقد في دياناتهم في الآية، غير أن الأمر مستأنف بالضرورة وهو الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فبه يتحقق المعنى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فديانة الإسلام الممثلة بنبيها جاءت لتصفية الأديان كلها، فتكون الإشارة في الآية إلى أن من آمن بالله وحده من الديانات التي ذكرت في الآية إلى عهد عيسى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

والإيمان يقتضي أن لا يلوث بشيء ينقضه أو ينقض الوحدانية لله، وهذا منعقده قبل النبي عليه السلام على اعتبار أنه جاء للتصفية فلو أمنوا به من الذين هادوا والنصارى والصابئين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومفهوم المخالفة أن من لم يؤمن به فله الخوف والحزن، وهو على اعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد كفر قد تحقق في النصرانية واليهودية وتحريف لكتبهم، فلو كان قد تحقق لهم الإيمان على المعنى المنقدح في أذهانكم فما الحاجة لبعثة النبي إذن، إذ المعلوم أن عيسى جاء لتصحيح مسار بني إسرائيل ودعوتهم إلى الإيمان بالله وحده، وهذا ما جاءت به جملة الآيات فكما أن الانحراف العقدي وقع عند اليهود فقد وقع عند النصارى واستلزم البعثة للنبي.

من حكى إيمان اليهود والنصارى لم يخرج عن أحد أمرين: إما أنه آمن بمعتقدهم وكفر بمعتقده، أو أنه استوهم واستشكل الآيات فتذرع بها ليحكم على اليهود والنصارى بالإيمان.

الاستشكال الآخر: في تحقق المعنى من الكفر. فنسألهم هل اليهود والنصارى يرون كفركم أم إيمانكم؟ فإن قالوا: منهم من يرى كفرنا ومنهم من يرى إيماننا.
نقول: من رأى كفركم آمن بملته ونفى عنكم الإيمان، فاليهود ومع كونهم لهم حالة خاصة إذ هم لا يؤمنون بعالمية الدين اليهودي ووجوب التبليغ، بل الانغلاقية التامة فهم مع هذا يرون كفركم؛ لأن النبوة انقطعت بموسى وهذا يستوجب كفركم وكفر النصارى من باب أولى، وكذا النصارى وإن كان هناك استحداث في مبدئ العالمية عن طريق التبشير، والتبشير إنما كان لإيمانه التام أن من لم ينتحل الدين ليس مسلما وإلا لما كانت الدعوة للتبشير حاصلة،.

ولو سلمنا أن بعض النصارى يقولون بإيمانكم استوجب كفره بدينه، على اعتبار أنه جمع بين النقيضين بين الوحدانية التي تعتقدها وبين الإشراك الذي يعتقده وهذا يوجب كفر أحدكما فإما أن يكون مؤمنا بالوحدانية الخالصة، أو أن تكون مؤمنا بالإشراك والندية، أما الاجتماع فهو من المستحيلات العقلية فضلا عن أن تكون واقعية، ولو كان طالبناك أن تتصور أنك موجود وغير موجود في آن واحد، أو تصور دائرة مربعة فإن كان يصلح من جهة التصور سلمنا لك به من جهة الوقوع.

وكذا نحن فإن من لم يؤمن بالله وحده ويؤمن بالنبي الخاتم فإننا لا نعتبره مسلما، وأما اليهود والنصارى فحكمنا فيهم كحكمهم فينا تماما، فكما أنهم يرون كفرنا فإننا نرى كفرهم؛ لأن الله حكى كفرهم في غيرما موضع من الكتاب العزيز، ومما استوجبناه عقلا من انتفاء اجتماع النقيضين.

ومن حكى إيمان اليهود والنصارى لم يخرج عن أحد أمرين: إما أنه آمن بمعتقدهم وكفر بمعتقده، أو أنه استوهم واستشكل الآيات فتذرع بها ليحكم على اليهود والنصارى بالإيمان. والله المستعان .

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان