شعار قسم مدونات

معركة الشرعية أم الثورة؟

blogs الثورة والنصر

نعود قليلا لما بعد الثورة وتنحي المخلوع في فبراير 2011، وبينما ارتكبنا جميعا نفس الخطأ كثوار وعدنا من الميدان، وبينما كانت معركة الثورة الحقيقية في محاكمة النظام وقياداته ومحاسبته بمحاكمات ثورية حقيقية، انشغلنا نحن بالسياسة والقانون والإصلاح في دولة نخرها الفساد إلى العظام وتملكتها أيادٍ خبيثة تقود حربها ضد الثورة، لنسير وفقا لقوانينهم ومساراتهم من انتخابات مجلس الشعب وصولا للرئاسة والدستور.

 

يخرج علينا الساسة بخطاباتهم الثورية ودعواتهم لتمكين الثورة ومحاربة الفساد وتطهير مؤسسات الدولة، والحقيقة أن تلك المحاولات الصادقة "وإن لم يكن الصدق مبررا لما شابها من أخطاء كان له وقعه على مسار الثورة ليس فقط في مصر وإنما في المنطقة ككل، خاصة ومع استمرار نفس الأداء وتكرار نفس الأخطاء" لم تكن أصل المعركة ولا حلا جذريا أمام الثورة المضادة وأجهزتها المتمردة التي لم تنصع يوما لا للثورة أو ما تمخض عنها من مؤسسات برلمانية وتشريعية ورئاسية "وتلك الحقيقة لم تكن في وعينا كثوار جميعا إنما مما تعلمناه فيما تلت ذلك من أحداث"، ولربما العديد من الصدامات بين تلك المؤسسات وما خرج منها للإعلام أبرز الأدلة على ذلك وصولا لحل مجلس الشعب المنتخب وما بعد ذلك حتى الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 .

تحت شعار السلمية التي بدأ الإعلام المصري الحكومي والخاص بإبرازها عن الثورة المصرية تم تجريد الثورة من أي قوة تحميها، وبدأت الحملات الإعلامية شيئا فشيئا في تشويه القوى الثورية والثورة وجماعة الإخوان المسلمين

وهنا وجب أن نقف سريعا قبل أن ننتقل إلى الانقلاب وما بعده، فعندما صوت جموع الشعب عامة وأغلب جموع الثوار خاصة لحزب الحرية والعدالة لم تكن اقتناعا منها بفكر أو منهج الجماعة ولم يكن ذلك الوقت لتنفيذ أجندة حزبية، إنما ائتمان لوطن في أيدي من وثقوا أنهم أمناء عليه حتى تمكين الثورة من مؤسسات الدولة والقصاص العادل من قيادات النظام المخلوع، وهو من الأسباب الرئيسية في التباس أداء ورؤية الجماعة للدور المنوط بها في تلك الفترة فقد كان التوجه إصلاحي وتنفيذ أجندة حزبية أكثر منه تحكيم ثورة، ما كان له المردود العكسي تجاه وعي الشعب بالثورة، وانتزاع رصيد الجماعة من الشارع وقوى الثورة، والدخول في معارك جانبية إلى أن انقضت الدولة العميقة بكل قوتها لوأد تلك الثورة .

وتحت شعار السلمية التي بدأ الإعلام المصري الحكومي والخاص بإبرازها عن الثورة المصرية تم تجريد الثورة من أي قوة تحميها، وبدأت الحملات الإعلامية شيئا فشيئا في تشويه القوى الثورية والثورة وجماعة الإخوان المسلمين وقيادات الجماعة لتصدرهم المشهد السياسي آنذاك، ولتبدأ حملات تدريجية ومنظمة لمحاولة الانقلاب على الثورة بقيادة الدولة العميقة وأجهزتها ورجال أعمالها وإعلامها وبالتعاون مع من انجر من القوى الثورية والأحزاب اليسارية والليبرالية المعارضة لجماعة الإخوان المسلمين وسياستها آنذاك.

 

ليعلن عن جبهة الإنقاذ ومن ثم حملة تمرد التي تم التخطيط لها مسبقا من قوى الأمن وأجهزة الدولة العميقة في تمرد واضح على مؤسسات الثورة المنتخبة، لتخرج المظاهرات بقيادة رجالات الدولة العميقة وضباط الشرطة المحمولين على الأكتاف تحت شعار "الشعب يريد إسقاط الإخوان" وكأن المعركة بين الثورة والإخوان، لتتناسى قوى ثورية شبابية وبعض الأحزاب والشخصيات المحسوبة على الثورة خطورة تلك المرحلة على الثورة وانعكاساتها المدمرة على مستقبل مصر وشعبها، ولتشارك يدا بيد في التآمر على الثورة بحجة الإخوان وأخطائهم "وإن تراجع البعض منهم بعد ذلك لكن وجب التذكير بأخطاء كل الأطراف" .

تبدأ جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى الثورية والأحزاب الإسلامية بالحشد المضاد لحماية آخر مكتسبات للثورة من الانقلاب مع دعوات الحشد والتظاهر يوم 30 يونيو 2013 لإسقاط الرئيس محمد مرسي، ليتم الإعلان عن الاعتصام لدعم مرسي في ميدان رابعة من يوم 26 يونيو 2013 ويتبعه بعد ذلك اعتصام آخر في النهضة، مع تأكيد مؤسسة الرئاسة حين ذاك على قرب التوصل لاتفاق بينها وبين جبهة الإنقاذ للخروج من الأزمة، إلا أن الدولة العميقة كانت لها الكلمة الفصل، لتوجه ضربتها المنتظرة للثورة ويتم إعلان عزل مرسي وتعطيل العمل بالدستور وتنهار آخر ما تبقى من مكتسبات للثورة.

 

إلا أن الجماعة وباقي القوى السياسية والثورية المتضامنة رفضت الاستسلام والاستمرار في الاعتصام وعدم الحوار أو الوصول لحل سياسي قبل عودة مرسي وباقي المؤسسات المنتخبة وإعادة العمل بدستور عام 2012 ورفض أي مبادرات في ذات السياق في توجه واضح نحو الصدام، وهو ما استغلته الدولة العميقة في غلق أي أفق للحل السياسي فقد كانت نواياها واضحة وهو القضاء على الثورة تماما وخاصة تيار ما عرف بالإسلام السياسي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية، ومحاولة ربطها عالميا فيما عرف بالحرب على الإرهاب لأخذ غطاء شرعي داخليا وخارجيا وفرض الأمر الواقع، ليبدأ خريف ربيع الثورات العربية .

تلك المعركة التي اختلطت فيها المفاهيم والرؤى، تجد ساستنا ينسون أو يتناسون أنه لا شرعية بلا ثورة، وأنه إن لم تحكم الثورة فلن يعود مرسي ومن معه، وأن معركة الثورة لا نهاية فيها دون حساب أو قصاص ودونما تنازل لا معركة شرعية

كان موقف تحالف دعم الشرعية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين واضحا بالسلمية تحت شعار المرشد العام الدكتور محمد بديع "سلميتنا أقوى من الرصاص" وعدم المساومة والإصرار على المضي قدما في الاعتصام والإضراب حتى تنفيذ كافة المطالب وعودة مرسي وتحويل المعركة على أنها معركة شرعية مكتسبة من ثورة، وليست معركة ثورة وثورة مضادة ما ترتب على ذلك من إضعاف للثورة والثوار وانهيارها تدريجيا حتى انتهت من التواجد في كافة الميادين خاصة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، والاقتصار فقط على موجات ثورية من فترة لأخرى وبيانات وإدانات مع استمرار حملات التصفية والملاحقة والاعتقالات والتعذيب وتصاعدها مع الوقت وإحكام السيطرة على الشارع من قبل الانقلاب وأجهزته .

ويكرر ساستنا نفس أخطاء ما قبل الانقلاب العسكري وعدم المصارحة والوضوح فيما يدور من مؤامرات، ففي الوقت الذي كان يتم فيه التحضير على قدم وساق للانقلاب خرج علينا الرئيس مرسي في آخر خطاباته بقوله مشيرا لوزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي "رجالة زي الدهب"، وليؤكد المهندس خيرت الشاطر مع مسئولي الجامعات في آخر اجتماع معهم في يونيو 2013 قبيل الانقلاب "أن الجيش في جيبنا"، ولتستمر نفس تلك الممارسة في اعتصام رابعة والنهضة واستبعاد أي خيارات بالفض واستحالة قتل تلك الأعداد الضخمة في تغييب واضح لوعي الجماهير تسببت في كثير من الخسائر التي كان من الممكن تلافيها أو حتى التقليل منها، واليوم يستمر ساستنا في التأكيد على الشرعية ولا شيء غيرها رغم احتمالية إعدامها وإنهائها على أيدي العسكر في أي وقت فماذا سيحدث حينها؟ هل ستنتهي معركتنا؟ وما بديل تلك الشرعية؟ للأسف الشديد لا تجد أي منهم يخرج برؤية أو خيارات واضحة بل ويرفض حتى مناقشة ذلك الأمر من باب استحالته! 

تلك المعركة التي اختلطت فيها المفاهيم والرؤى، تجد ساستنا ينسون أو يتناسون أنه لا شرعية بلا ثورة، وأنه إن لم تحكم الثورة فلن يعود مرسي ومن معه، وأن معركة الثورة لا نهاية فيها دون حساب أو قصاص ودونما تنازل لا معركة شرعية قد تعلق على أعمدة المشانق في لحظات ولن تحميها بيانات أو شعارات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.