عند المواقف الحاسمة ستقف النفس هُنيهة ويصبح أمامها خياران، فإما اتباع المبدأ وإما اتباع الهوى، ولن تستطيع النفس اتباع المبدأ من غير ترويض. |
هذا المنهج سَيُشَكِل بطريقة ما الحيّز الآمن لنا، فإن كانت تصرفاتنا ضمنه؛ كانت النتيجة شعورنا بالرضا والسلام الداخلي، وإن كانت تناقضه أو تتجاوزه فالألم وتأنيب الضمير حينها. وهذا المنهج والذي يمكن أن نسميه (بالمبادئ)، هو الذي يميّز شخصاً عن آخر، أو يرسم له كاريزما خاصة به، فبمبادئه يُعرف، وبها تتكون هويته، ومن خلالها يرسم صورته في عقول الناس. -برأيي- ينقسم الناس بناءً على دوافع تصرفاتهم إلى أربعة أقسام:
1- البعض تحركه مصلحته الشخصية فقط، فيلهث راكضاً خلف أي فرصة ترضيه، وهناك أيضاً من يتصرف بحسب هوىً شخصي فنجده تارة هنا وتارة هناك
2- بينما تكون تصرفات البعض ردود أفعال على أفعال غيرهم، كأن يكون رد فعله كُرهاً بموقف الشخص المقابل أو ربما الشخص ذاته!
3- أو من يريد أن يتخذ من الوسط ملْجأً له، لا يريد أن ينحاز لأي طرفٍ من الأطراف فترقبه دوما ما يقف في المنتصف.
4- أو ذلك الشخص الذي بنى لنفسه مبادئ متصلة بمنهجٍ معيّن ، يرى أن هذا المنهج هو الأنسب له.
كثيراً ما نرى أو نتعامل في حياتنا مع أشخاص هُلاميين تجدهم كفقاعات الماء مهما ارتفعت الفقاعة في الهواء إلا أنها تنفجر مع أول جسم صلب تصطدم به، هذا إذا لم تتلاشى من تلقاء نفسها! ولا أظن أن هناك أصلب ولا أشدّ من أصحاب المبادئ الواضحة، فلا بقاء ولا سمو إلا لأصحاب المبادئ، وما أكثر الذين يوهمون أنفسهم بأنهم يمثلّون الوسطية والاعتدال، وهم لا يمثلّون إلا السراب!
لا يصلح إطلاقاً أن تكون حياة الشخص هلاميّة تتشكل بحسب ما يريده الآخر، أو تتطلبه المصلحة الشخصية، أو تكون مجرد ردود أفعال لا غير. |
والترويض يكون بإقناع النفس بأفضلية هذا المنهج لها، وأنه الأقرب لمصلحتها الدنيوية والأخروية، فهو يقربها من المنهج الصحيح ويبعدها عن المنهج الخاطئ، يبسط لها طريق الحق، ويهدم من أمامها طريق الباطل.ويجب أن تعلم النفس أن جمالُها يكونُ في مبدأ تمشي عليه وإن تعارضَ في كثيرٍ من الأحيانِ مع مصلحتها الشخصية، فالحياةُ لم تُخلَق لأجلِ مصلحةٍ شخصيةٍ مبنيةٍ على منفعةٍ مادية أو هوىً شهواني، بل خُلقت لأجل غايةٍ عُليا متصلةٍ بمردٍ سماوي.
وهنا نعلم أن انعكاس القيم في المجتمع وتبدُّلِ معانيها لا يعني أن يتماشى معه الفرد بالضرورة ، إلا إن كانت تتوافق مع الحكم الإلهي الذي وضع لكلِ شيئاً ميزاناً نزنُ به الأمور، وبالتالي نَفقَه هنا أن المبادئ مستمدة من الخالق وليس من الخلق. فالمقوِّم الأساسي لمبادئنا وآرائنا وتصرفاتنا يجب أن يكون هو الله، فهو الذي يعلم ما ينفعنا وما يَضُرُّنا، وأما إن كان المقوَّم والموجه لهذه المبادئ أشخاصاً أو نفوسنا، فهي إما أنها ستمشي في طريق الإفراط أو في طريق التفريط، وستتخالط الأحكام مع ما تمليه النفوس وتستلذه الشهوات.
لذا لابد أن يكون الأصل الذي تحتكم إليه مبادئنا سليماً ومعافًى من أهواء النفوس ونزواتها، حيث أن فطرة الإنسان تميل إلى تحقيق مصلحتها الشخصية ولو كانت على حساب غيرها، لكن هذا لا يصلح ولا يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يتوافق مع المراد الإلهي من خلق الإنسان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.