شعار قسم مدونات

حماس والطريق الصعب

blogs - حماس
انشغلت وسائل الإعلام مؤخرا بالمؤتمر الأخير لحركة حماس، والتي أعلنت فيه عما أسمته الوثيقة السياسية، وكان من أهم النقاط التي شدت انتباه المراقبين؛ التلميح لفصل علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي تعتبرها مصر وبعض دول الخليج جماعة إرهابية. والنقطة الثانية التي ركز عليها الإعلام؛ هي مسألة القبول المؤقت كما تسميه حماس، والاعتراف كما يسميه معارضو الحركة بحدود 1967، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه، بهدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
في تقديري أن هناك عدة أمور نحتاج لفهمها في تحليل الوثيقة، وخاصة ما يتعلق بالنقطتين أعلاه. بالنسبة إلى مسألة العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإن حركة حماس تعتبر منذ أمد طويل منفصلة تنظيميا عن جماعة الإخوان منذ الثمانينيات، وبالتحديد عام 1987م، عام تأسيس الحركة على يد الشيخ الراحل أحمد يس، وقد كان التأسيس نفسه البداية العملية للانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين التي كانت في ذلك الوقت تعاني من عدة أزمات تنظيمية، ومن تضييق أمني يقارب الذي يحدث هذه الأيام، ونظرا لأن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها جماعة عالمية، فقد لا يعرف البعض أنه وإلى وقت قريب، كان هناك فرع لجماعة الإخوان في فلسطين في الوقت نفسه التي كانت حماس تمارس نشاطها.

وقد أعلنت حماس عن نفسها كجماعة وطنية إسلامية منذ أمد بعيد، فالإعلان عن الانفصال في الوثيقة تكرار لمسألة محسومة مسبقا، ولعل الغرض منه في تقديري التأكيد على حيادها تجاه القضايا الداخلية للدول العربية، ذلك الحياد الذي حاولت الحركة بأقصى درجات الحزم الالتزام به رغم ما تشهده المنطقة من تداخل شديد ومعقد بين المحلي والإقليمي، ولعل السبب أيضا في هذا التأكيد ما يعرفه الجميع من المهتمين بالشأن الفلسطيني والمصري من دعم جماعة الإخوان المسلمين المصرية لحماس أثناء فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي، فمحاولة التلميح بفصل العلاقة يحمل في طياته رسائل تطمين للدولة المصرية التي تبعا لموقعها الجغرافي ونفوذها السياسي تمارس دورا رئيسيا ومؤثرا في قضية فلسطين وإنكار الدور المصري في حل المسألة الفلسطينية حرث في البحر ليس إلا.

بالرغم من الخطاب التصالحي للوثيقة، فما زالت حركة حماس تمارس فعل المقاومة المسلحة ضد اعتداءات الكيان الإسرائيلي، وفي ذلك محمدة لها ينبغي دعمها، وما زالت ترفض وضع السلاح.

أما قضية الاعتراف بحدود 1967م ، فقد ظهرت هذه المسألة عقب توقيع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على اتفاقية أوسلو، والتي اعترفت صراحة بحدود 67، وتشكلت على أساسها السلطة الفلسطينية التي تدير اسميا منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة.

هنا تختلط لدى كثير من المراقبين التفسيرات أمام هذه الخطوة، فالرأي الغالب من المراقبين -كما يبدو- يعتقد بضرورة هدنة طويلة مع العدو الإسرائيلي في وقت تصطف غالب القوى العالمية  إلى جانب الكيان الإسرائيلي.

ولكن مسألة الاعتراف بتلك الحدود تجاوزها الفعل السياسي لحركة حماس نفسها؛ فمشاركة حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية يعني ضمنا القبول بأوسلو، وبالتالي اعترافا بحدود 67 وإن حاولت الحركة نفي ذلك مرارا وتكرارا، وفعل حماس بالمشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية يصرح بقبول أوسلو، وتأكيد حماس في الوثيقة لتلك الحدود هو تأكيد لفعل تم لحظة مشاركتها في الانتخابات البلدية والبرلمانية.

في تقديري أن حماس متقدمة تنظيميا وسياسيا على جماعة الإخوان في مصر، وللحركة مؤسسات أكثر كفاءة واحترافية من نظيرتها في مصر، الذين تبين لغالب المراقبين للشأن المصري بأنهم كانوا خلف التحديات لا أمامها. 

أزمة حماس الأساسية لم تكن الاعتراف بأوسلو من عدمه، ولكن الأزمة تتمحور حول نزاعها الطويل مع حركة فتح. فحركة فتح بالرغم من أخطائها تجاه الشعب الفلسطيني والتي لا تعد، أثبتت بأنها تحظى بشعبية كبيرة في أوساط الشارع الفلسطيني، والمسافة بين فتح وحماس كبيرة جدا وتحتاج الحركة لتركيز أولوياتها نحو التعاون مع فتح قبل بناء أي أرضية للتفاوض مع الكيان الإسرائيلي.

 بالرغم من الخطاب التصالحي للوثيقة، فما زالت حركة حماس تمارس فعل المقاومة المسلحة ضد اعتداءات الكيان الإسرائيلي، وفي ذلك محمدة لها ينبغي دعمها، وما زالت ترفض وضع السلاح، ذلك السلاح الذي قاومت به حركة فتح من قبل وكان سندها في مفاوضات أوسلو وحققت بسببه مكاسب تكوين السلطة وحل الدولتين وحدود 67.

لدى حركة حماس ملفات كثيرة أهمها ملف المصالحة مع حركة فتح، ويظهر للعيان أن الضغط على الكيان الإسرائيلي في ظل إنقسام في الصف الفلسطيني لن يكون مؤثرا ولن يحقق أحلام الفلسطينين.

حماس بوثيقتها أثبتت أنها تقرأ الواقع وتحاول التماشي مع المرحلة لا التماهي مع العدو، ولكنها في الوقت نفسه تنكر أمرا واضحا كقبولها الفعلي بأوسلو، وذلك بمشاركتها السياسية ورفضها عن طريق التصريحات لأهم بنود الاتفاق.

لدى حركة حماس ملفات كثيرة أهمها ملف المصالحة مع حركة  فتح، ويظهر للعيان أن الضغط على الكيان الإسرائيلي في ظل انقسام في الصف الفلسطيني لن يكون مؤثرا ولن يحقق أحلام الفلسطينين الذين صمدوا لما يقارب الستين عاما تحت نير الاحتلال.

فالوثيقة التي أعلنتها حماس تمثل كسبا تكتيكيا، ولكن في الوقت نفسه، تعتبر قضية المصالحة الوطنية أكثر أهمية وأشد إلحاحا سدا للثغور ورصا لصفوف الشعب الفلسطيني وتوحيدا للجهود نحو هدف واحد، وهو تحرير كامل الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.