شعار قسم مدونات

يا تائبا هنيئا لك

مدونات - الدعاء

إنسانيتنا كبشر تحتم علينا الانسياب نحو الشهوات وحبنا للدنيا ونعيمها والسبب أنه لسنا ملائكة ولا أحد ينجوا من الوقوع في المعاصي. لكن ضعفنا هذا يجعلنا نعيش في قرية صغيرة جدا يتهيأ لنا فيها أننا أصحاب الصواب، فنستمر في اتباع أهواء النفس ووساوس الشيطان. إلا أن العيش في ظل الذنوب شيء لا تستحمله الأنفس وذلك لفطرتنا التي خلقت على فعل الخير فلا نستطيع اتباع طريق غير المستقيم ولأننا وفي الأخير أيقنا أن سبب همومنا وحزننا واضطراب أنفسنا كان فراغ قلوبنا من الإيمان وغفلتنا عن المنان "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً"، لذلك سرعان ما نستغيث بحبل من حبال التوبة.
 

دعوني إذن أصف لكم كيف هو ذلك الحبل؛ إنه متين لمن أدرك كيف يتمسك به وهنيئا له، وضعيف لمن ظلت ذنوبه عالقة به وهو حال أغلب شباب هذا العصر وأولهم أنا. فطريق الله جميل ولا يبقى فيه فراغ وكيف لا وهو مليء بالأمان والإيمان، طريق يجعلك تحس أنك سوف تقف أمام عرش الرحمان لا محال.
 

يا تائبا هنيئا لك، لأنك اخترت طريق الله وألمك بعده وفراقه، فتخليت عن ذنوبك ولذاتها وطهرت ضميرك. ببساطة لأن لك فطرة يا إنسان، فكان ألم الفراق أقوى من لذة الذنب.

لكن رغم روعته لكل ما يميزه من رضى عن الذات وتوازن للنفس، إلا أن الشيطان لا يستطيع أن يقف مكتوف اليدين فيبدأ بفتح ملفات الماضي كلما حاولت أن تجعل منك إنسانا حيا بعد موته العميق، فتصبح في صراع بينك وبين نفسك، بين أخطاء البارحة واستقامة الغد، صراع يصور لك أن الله لن يقبل توبتك لفظاعة ذنوبك، وبالتالي تسقط في ما يسمى فقدان الأمل، فتنسى قول سبحانه وتعالى "وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ"، لأن فكرة اليأس فكرة تحول دون معرفتك بالله.
 

فلا تيأس أيها التائب فالتوبة أنت صاحبها إلى أن تشرق الشمس من مغيبها. ثم لا شيء مضعف للتوبة من الإحساس بفقدان احتياجها، أي أنك تستصغر خطورة ما قمت به من معاصي وكبائر فتقارن نفسك بالمفسدين الظالمين، وينقطع حبل توبتك لإحساسك المزيف بالرضى. فخاطب قلبك التائب ولا تتركه يقيم ذنوبك انطلاقا من ذنوب غيرك، فكلنا مطالبون بها يوم نلقاه عز وجل لقوله "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

فيا تائبا هنيئا لك، لأنك اخترت طريق الله وألمك بعده وفراقه، فتخليت عن ذنوبك ولذاتها وطهرت ضميرك. ببساطة لأن لك فطرة يا إنسان، فكان ألم الفراق أقوى من لذة الذنب. إذن أكمل طريقك وجدد توبتك ولا تترك الشيطان يحبطك ويؤخر هدايتك، ففرحته بتوبتك وإقبالك عليه عز وجل أشد وأعظم من فرحة من وجد راحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها وقال "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" -أخطأ من شدة الفرح-.
 

لهذا اجعل توبتك أقوى وصححها، فإذا ضعفت أمام أهواء الدنيا فلا تيأس من رحمته عليك وتدرع إليه سبحانه وتعالى واسأله إياها. فوالله إن طريقه لأمتع وقربه منك لأروع هدية تهديها لقلبك وروحك. فيا أخي ويا أختي وحتى أنت يا نفسي؛ إن تكرر الذنب لابد من تكرار التوبة، فلا يمل الله حتى تملوا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.