شعار قسم مدونات

المسرحية العبثية

blogs - september 11
في دنيا التاريخ وحياة الأمم نادرا ما تجد نفس الأحداث وبنفس سيناريوهاتها، صورة طبق الأصل، وكأننا أمام مسرحية تُعاد للمرة الثانية بنفس اللاعبين ولكن مع اختلاف وحيد فقط هو تاريخ العرض! ذكرت وكالات الأنباء مؤخراً أن وزراء خارجية 68 دولة في واشنطن، قد اجتمعوا يوم الأربعاء الماضى، للاتفاق على الخطوات المقبلة في سبيل هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك في أول اجتماع من نوعه للتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة العام الماضي!

وأنا أطالع هذا الخبر عدت بذاكرتي إلى بدايات التحضير لغزو العراق، وقلت في نفسي ما أشبه الليلة بالبارحة؟ هل تتذكروا تحالف الدولي "الأشر" ضد الرئيس الراحل صدام حسين، حين تكّالبت عليه ضبَاع الشرق والغرب، بتواطؤ دنيئ من بعض الحكام العرب.

كانت أولى ثمار 11 سبتمبر هي هدم وإحراق الصومال وأفغانستان، وبعدها قدموا العراق هدية لإيران "الشيعية"، وبعد تراجع تنظيم القاعدة، كان لا بد من إيجاد عدو "بعبع" جديد.

تقريباً نفس المسرحية تتكرر مرة أخرى وبنفس الحَبكة الدرامية المصحوبة بالموسيقى التراجيدية، على نفس المسرح "الجغرافي" تقريباَ وبنفس الممثلين "الكبار" فالأدوار لم تتغير، فمازال مورد السلاح يجلس على رأس الطاولة وعن يمينه المخطط وعن يساره المنفذ ومن يدفع تكاليف الأرواح والعشاء والمشروبات جاهز في غيبوبة مستديمة، بعدما أصبح زبون دائم عند صاحب المدفع!

التحالف الأشر رفع لوحة إشهارية كبيرة وصدقها المغيبون، كُتب عليها يجب وقف الخطر النووي العراقي الذي إن تُرك سيهدد البشرية من يوم أدام إلى قيام الساعة! دارت الحرب رحاها ولكن النية كانت مبيتة، تمزيق وإنهاء وجود دولة العراق، لكن للإنصاف تركوا جزءا صغيراً يشير للمارة على أنه كانت هنا دولة اسمها العراق "المنطقة الخضراء".
 
فلسَفة النادي المسيحي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، استنبات عدو لمحاربتة واستنزافه، ولا عدو لهم سوى الحضارة الإسلامية كما ذكر صامويل هنتنغتون في كتابه صراع الحضارات.. في خضم الحرب الباردة وبعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان تم استنبات تنظيم القاعدة وبعدما أدى دوره، كان من الضروري التخلص منه، ولكن انقلب السحر على الساحر فوجه التنظيم ضرباته للغرب حتي حدثت اعتداءات سبتمبر "الأسود" التي كانت مبرراً أخلاقياً ساقها النادي المسيحي لبداية صراعه مع الحضارة الإسلامية "لماذا يكرهوننا"؟

فكانت أولى ثمار هذه الضربات، هدم وإحراق الصومال وأفغانستان وبعدها قدموا العراق هدية لإيران "الشيعية"، وبعد تراجع تنظيم القاعدة، كان لا بد من إيجاد عدو "بعبع" جديد تنشط من أجله آلة الحرب وفي المنطقة ويستمر ومعها حلب البقرة النفطية، واستنزاف القوى البشرية للمنطقة العربية "السّنية"، حتي وجدت ضآلتها في استهجان واستزراع ما يُعرف بالدولة الإسلامية.

مازال مورد السلاح يجلس على رأس الطاولة، وعن يمينه المخطط، وعن يساره المنفذ، ومن يدفع تكاليف الأرواح والعشاء والمشروبات جاهز في غيبوبة مستديمة، بعدما أصبح زبونا دائما عند صاحب المدفع!

فيروس شيطاني نجح النادي المسيحي بالدفع نحو زراعته، ليجعله مبررا لتسويق فكرة "الإرهاب الإسلامي السنى". حين استغلاً ثورات الربيع العربي وتطلع هذه الدول إلى الحرية والديمقراطية من أغلال واستبداد الأنظمة الموالية لهم.

وبدلاً من تأييد التحول الديمقراطي "السلمى" اتساقا مع مبادئه التي ينادي بها، راح يساند كل قوي الرجعية والاستبداد، التي انقلبت على أحلام التغير السلمي لدى الشعوب العربية، فهيأ انقلابهم على مبادئهم، لكفر تيار من شباب الأمة في التغير السلمي، وبالتالي مهدوا الأرض لانخراط البعض منهم في محاربة الأنظمة التي يراها "من وجهة نظره" عميلة للغرب، واتسعت الفكرة حتي ولد تنظيم يعرف بالدولة.

أكثر من أربع سنوات من المواجهة بين التحالف الدولي وتنظيم الدولة والنتيجة، استمرار النزيف! وبدلاً من البحث عن وأد الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة التطرف الديني والسياسي، راحوا يستعيدوا نفس المسرحية العبثية ليبقى القاتل والمقتول ومن سيتحمل الفاتورة من بني جلدتنا وأخيراً ديننا دين إرهاب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.