شعار قسم مدونات

العميل دائماً على حق

blogs - market
(العميل دائما على حق) مقولة اشتهرت كثيراً خلال العقود التي خلت والتي تجعل العميل دوماً هو صاحب القول الفصل في أي منازعة بين رجل المبيعات والزبون، فيتم إكرام العميل مهما بلغ من تذمر وغضب وتطاول على مقدم الخدمة له، وتجتمع الادارات ورؤساء الأقسام لمناقشة ملاحظاته وتداولها حتى يتم تداركها، وقد يتم تبديل المنتج وتعديل خطوط الانتاج تلبيةً لملاحظات الزبائن.

وهو عمل مبرر ويكاد يكون عين العقل إذا أراد التاجر أو المصنع أو أي مؤسسة خدمية لأعمالهم أن تكبر وتتشارك مع المنافسين للحصول على أكبر حصة من السوق وانتشار المنتج بين أيدي الصغار والكبار، الفقراء والأغنياء، ومن يحتاجه ومن لا يحتاجه.

ويفسر خبراء التسويق سبب هذا التعميم بكلمة (دائماً) وليس أحيانا بأن سلوك العميل ما هو إلا ردة فعل على ما قدمه مزود الخدمة له وهو (رجل المبيعات) من يتحمل تبعات عدم رضا العميل عن مستوى الخدمة أو المنتج .

أليس من الكوارث أن يظل الطالب يطرح نفس السؤال حول أهمية الرياضيات في حياتنا ولا يلقى مجيباً إلا أنها تجعلك تسترجع الباقي من البقال إذا اشتريت من عنده؟

تطبق هذه القاعدة على مختلف الأنشطة التي تقدم فيها خدمة لعميل أو منتج تبدأ من زيادة السكر في علبة عصير هو أساساً يخلو من العصير إلى حذاء بلاستيكي يروج له أنه من جلد أفعى أو من جلد غزال لمجرد الصاق اسم ماركة تصيبنا بالدوار عند قراءة أحرفها على المنتج ، والعجيب أن هذا الترويج وهذا الحرص على رضا العميل يتوقف ويصبح غير ذي قيمة عندما يتعلق الأمر بمزود الخدمة ( المعلم ) على عميله ( الطالب) وهو يقدم له خدمته التعليمية.

فإذا أظهر الطالب تأففا أو تضجراً مما يقدم له و سلك سلوكاً عدوانياً تنهال عليه الاتهامات من كل حدب وصوب دون أن يسأله أحدهم عن سبب غضبته أو تضجره أو عدم رضاه كعميل يتلقى خدمة وجدها غير جاذبة ولا تلبي رغباته واحتياجاته ولم ترتق لمستوى توقعاته ولم يشعر بأن ما سمعه يحل له مشكلة أو يأخذه نحو أحلامه بل ًحديث ممل عقيم سيقضي عاماً كاملاً وهو يتساءل ويصرخ ماذا أستفيد من هذه المادة ومن تلك؟!

ومزود الخدمة عاجز عن تقديم الاجابات الشافية التي تشبع ميول عميله وتزيل كل مبهم أو غامض في عقله الذي تبدأ رحلته مع الحشو وتستمر رحلة الصراخ الداخلي التي لا يسمعها الا الله الى أن يأخذ الله بيده فيتخرج من الجامعة مزودا بدوامة من النظريات والمحفوظات والمخطوطات التي لا يكاد يجد لها على أرض الواقع مكان.

أليس من المفارقات الغريبة أن تدرّس الكيمياء والفيزياء على مقاعد الدراسة وهي التي أفنى فيها العلماء الذين غيروا وجه البشرية أعمارهم في المعامل والمختبرات يجربون ويفندون ويخلطون ويقيسون ويفشلون ثم يكررون التجارب تلو التجارب ليصلوا الى النتائج التي تبهر البشرية بينما يقبع أبناؤنا على مقاعدهم يحفظون نظريات ويسجلون قياسات ويدونون ملاحظات لا يعلمون من أين ابتدأت ولا أين تنتهي ثم نتهمهم بقصور في الفهم وعدم جدية في الدراسة.
 
أليس من المفارقات أن يعجز المعلم نفسه عن تقديم تجربة في مختبر لطلابه ليلمسوا تأثير العلم في حياتهم فيتصالحوا مع موادهم وتنشأ علاقة ود بينهم وبين هذه النظريات التي أثقلت كاهلهم وكانت السبب الرئيسي في فشلهم ؟

أليس من المفارقات الغريبة أن تدرّس الكيمياء والفيزياء على مقاعد الدراسة وهي التي أفنى فيها العلماء الذين غيروا وجه البشرية أعمارهم في المعامل والمختبرات يجربون ويفندون.

أليس من حقهم أن يكرهوها وهم الذين مازالوا حتى نجاحهم وتخرجهم – ان كتب الله لهم النجاح – لا يعلمون كيف تؤثر هذه النظريات في تقدمهم وتطورهم وتغيير نمط حياتهم؟ أليس من الكوارث أن يظل الطالب يطرح نفس السؤال حول أهمية الرياضيات في حياتنا ولا يلقى مجيباً إلا أنها تجعلك تسترجع الباقي من البقال اذا اشتريت من عنده؟ هل يمكن أن يتخيل أو يتقبل أن شراء ربطة خبز وأربع بيضات من بقالة الحي تحتاج الى دراسة تستهلك ربع عمره ليحصل على الباقي !؟

لم أجد جواباً عندما طُرح على نفس السؤال عن فائدة دراستنا للمواد العلمية من أحد الطلبة غير ان أجيبه بأنني لا أستطيع إلا أن اقول لك إن الذي اخترع الراديو والتلفاز والآلة البخارية وأوجد قوانين الحركة والنظرية النسبية كان عالماً ولم يكن شاعرا.. هذا ما أعلمه والله أعلم، ألم أكن من الجيل الذي درس كل المواد العلمية ولم أحظ بزيارة مختبر العلوم الا كأي رحلة مدرسيه تحدث في العام مرة أو مرتين وتكون زيارة المختبر على نظام ( شم ولا تذوق ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.