شعار قسم مدونات

شيزوفرانيا أساتذة أكاديميين "قصة واقعية"

مدونات - دراسة

لم أكن أريد أن أكتب عن الحادثة ولكن أنا أؤمن أننا نكتب لنخرج ما في صدورنا وذاكرتنا من تجارب أو مواقف سيئة أثرت بشكل كبير على حياتنا بطريقة أو بأخرى جعلتنا نأخذ قرارت خاطئة أو نأخذ مواقف ضد العديد من الأشخاص لا ذنب لهم بأي من هذه التجارب ولكن هذه من تلك.
 

بدأت قصتي عندما قررت استكمال دراستي العليا ماجستير تخصص إدارة الأعمال قسم إدارة الموارد البشرية.. وبدأت مسيرتي الدراسية وأنهيت جميع مواد المقرر بنجاح ولله الحمد وأتت المرحلة الأهم وهي إعداد إطروحة الماجستير. وكما جرت العادة للبدء بأطروحة الماجستير يجب على الجامعة أن تعين لك مشرف لمتابعتك متابعة أكاديمية للوصول لبحث علمي مميز يكون له تأثير في الواقع العملي.
 

ما ذنب الطالب أن يذهب عمله هباء منثورا ويضيع من وقته ومستقبله بسبب إهمال أساتذة جل همهم الحصول على راتب آخر الشهر؟

تم تعيين المشرف الأكاديمي وهو خريج جامعة أوروبية، وبعد مراسلته أكثر من مرة لم يعطي اهتمام لي كثيرا وجعلني أتخبط في الميدان، وبعد كل هذا لم يعد يرد على المراسلات نهائيا.. فقمت بمراسلة الشؤون الأكاديمية وبعد التأكد من أن المشرف لم يرد على المراسلات تم سحب هذه المهمة من المشرف وتم تعيين مشرف جديد لي، هذا المشرف كان شابا وكذلك خريج جامعة أوروبية وبعد المراسلات وأخذ موعد مع الدكتور المشرف الجديد والذهاب له إلى جامعة أخرى يقوم بالتدريس بكلية إدارة الأعمال فيها، جلسنا جلسة حوالي العشرون دقيقة وتم الوصول إلى موضوع البحث بشكل سريع مع إعطائي بعض المراجع للاستفادة منها، وتم توجيهي بالشروع في إعداد خطة البحث وعرضها على المشرف، وبعد إعداد خطة البحث، تم إرسالها للمشرف الذي بدوره لم ينظر بها وقام بإرسالها إلى عميد الكلية لاعتمادها، وهنا أتت الصدمة بعد أن أرسل عميد الكلية رد على رسالة المشرف يقول فيها "هذه الخطة لم تستوفي الحد الأدنى من الشروط الأكاديمية ويجب إعادة العمل عليها".
 

يتعامل أساتذة الجامعات مع التلاميذ وكأنهم فئران تجارب يعطي كل واحد من تلاميذه وقت معين وأسلوب معين وأهمية معينة وينتظر النتائج.. هل هذه هي أمانة التعليم؟ هل هذه هي "كاد المعلم أن يكون رسولا".. ما ذنب الطالب أن يذهب عمله هباء منثورا ويضيع من وقته ومستقبله بسبب إهمال أساتذة جل همهم الحصول على راتب آخر الشهر.. ما ذنب الطالب الذي ينتظر أن ينتهي من دراسته حتى يبدأ بحياته العملية ولا نعلم ما هي ظروف هذا الطالب؟
 

ولكن ليست هذه نهاية القصة، بعد هذا الموضوع تم سحب المشرف على رسالة الماجستير وتكليف مشرف آخر حيث كان مدير أكاديميا في ذلك الوقت وله تقديره واحترامه ومكانته بين الناس وهو لديه عدة شهادات أكاديمية في عدة تخصصات وأهمها الدكتوراه من جامعات غربية كذلك.. بعد أخذ الموعد مع المشرف الجديد والجلوس معه وعرض عليه ما تم إنجازه حتى تلك الفترة قال لي "كل هذا العمل لا ينفع ويجب البدء من جديد" وبدأ بالكلام عن المشرف السابق كما جرت العادة في عالمنا العربي أن نذم بعمل بعضنا وأن نتكلم بسوء عن الآخر وأن نمجد ونقدس أعمالنا الشخصية على مبدأ "أنا أو لا أحد".. وبعد جلسة مطولة مع المشرف الأكاديمي الجديد وأنا خارج فقلت له ما أول ما سأقوم به الآن دكتور؟ فقال لي كلمات أثرت فيني بشكل كبير واعتبرته في ذلك الوقت الفارس الشجاع الذي أتى لتخليصي من ما أنا فيه قال لي: "ما هي أول كلمة نزلت على محمد عليه الصلاة والسلام؟" فقلت له: "اقرأ" فتبسم وقال لي بالتوفيق. أتاني شعور أن هذا الشخص لا يوجد له مثيل بعد هذا الأسلوب في التعاطي مع الرسالة البحثية..

بدأت بالقراءة في الموضوع الذي أريد أن أعمل عليه أيام وأيام.. وبعد جهد جهيد تم الانتهاء من إعداد خطة البحث وقدمته له الذي بدوره أجرى بعض التعديلات وأرسلها إلى عميد الكلية الذي بدوره رد على الرسالة قائلا: "هذه الخطة لم تستوفي الحد الأدنى من الشروط الأكاديمية ويجب إعادة العمل عليها" وهنا أتاني نوبة غضب فقمت بالرد على العميد بأسلوب فظ دون النظر إلى عواقب الأمر قائلا له: "وما ذنبي أنا إن كان جميع ما يعملون في هذه الجامعة غير مؤهلين وكفؤين ولا أعلم إن كنت أنت كفوء كذلك أو لا!".

أساتذتنا.. اتقوا الله في تلاميذكم، لعل دعوة صادقة منهم مستجابة ترفعك إلى أعلى عليين أو تنزلك إلى أسفل الأسفلين.

بعدها جاءني رد من المشرف وهو المدير الأكاديمي "أريدك في مكتبي غدا صباحا".. ذهبت صباح الغد ودخلت على المشرف حيث قال لي دون أن يرد السلام: "أنت متحول للتحقيق" فقلت له بأي فرع مخابرات؟ وبدأ يصرخ ويؤنبني على ما بدر مني حيث قال لي في النهاية: لماذا أنت هكذا مستعجل للانتهاء، العمر أمامك وأنت في مقتبل العمر فأنا لم أحصل على الماجستير إلا لما كنت في عمر والدك.. فقلت له: " وما ذنبي أنا بما جرى معك، إن كانت هذه الحادثة السيئة ستجعلك تظلم التلاميذ فلا تشرف على أحد" وخرجت من مكتبه.

في ذلك الوقت كان قد بدأ العميد تداول الموضوع ليصدر قرار بفصلي من الجامعة ليعلن بذلك انتهاء مسيرتي التعليمية بسبب نرجسية وضعف أكاديمي ومرض نفسي في شخصه هو ومن على شاكلته، ولكن شاءت الأقدار أن يكون هناك من هو عون للتلاميذ في الجامعة وصاحب سلطة قوية في ذلك الوقت حيث عرضت عليه المشكلة وقال لي: "لا تقلق الموضوع سيحل بإذن الله ولكن عدني أن لا تتصرف أي تصرف مستقبلا لننهي الأمر بهدوء" فقلت حاضر..

بعدها قام بتعيين مشرفيين على رسالتي بدل المشرف الواحد وهم قمة في الاحترافية والتميز والرقي.. أنهينا خطة البحث وأتى عليها موافقة منذ المرة الأولى وكنت أقابل المشرفة الجديدة في المكان الذي أختاره أنا وتأتي بسيارتها ومعها القهوة كذلك وتقدمها لي بيدها.. ما هذا الرقي ما هذا الأدب وما هذه الاحترافية! وبعدما بدأنا بالعمل على الأطروحة أتى وقت التحليل الإحصائي للنتائج فحولتني إلى زميلها المشرف الثاني الذي هو واحد من أمهر الأساتذة في الإحصاء التحليلي ليرشدني إلى الأسلوب الصحيح وبعد عدة مناقشات وتعديلات تم ولله الحمد الانتهاء من الرسالة بنجاح.. وبعد عدة شهور علمت أنه تم فصل ما سبق ذكرهم من الجامعة من من هم ليسوا بالاحترافية المطلوبة بمن فيهم عميد الكلية..

لا أقول إلا: أساتذتنا.. اتقوا الله في تلاميذكم، لعل دعوة صادقة منهم مستجابة ترفعك إلى أعلى عليين أو تنزلك إلى أسفل الأسفلين..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.