شعار قسم مدونات

الخيم السوداء والتنويريون

Blogs - hijab1
شاهدت منشورا علي الفيس بوك لأحد أصدقائي – الذي أحترمه – مدعي التنوير والتحضر والليبرالية!  يحتوي علي صورة لشخصين رجل وامرأة أعتقد أنهم زوج وزوجة، كان الرجل يرتدي ملابس علي الطراز الأوروبي (تيشرت وشورت ونظارة شمسية) والمرأة أو الزوجة كانت ترتدي عباءة سوداء وتغطي جزءا من وجهها. وعلق قائلا "جيل أزمة الهوية"!

كان يستنكر كيف يعطي الرجل لنفسه الحرية في أن يلبس كما يشاء ويتشبه بالأوروبيين المتحضرين وفي نفس الوقت يمنع زوجته من ارتداء اللبس التنويري الأوروبي ويجبرها أن تبقي مدفونة داخل هذا القبر المتحرك، ويكمل كلامه مستنكرا، "وبعد ذلك كله يدعون أنها مكرمة"!

فأنا أري هذا الصديق وغيره من مدعي الليبرالية والعلمانية لديه انفصام في الشخصية وازدواجية في المعايير. فهو يدعي أنه يؤمن بأن لكل إنسان الحرية في اختيار ما يبلس ويؤمن بأنه غير مسموح لأحد بالحكم على الأشخاص من مظهره أو ملبسه أو هويته، لكنه عندما رأي تلك القبور المتحركة -على حد تعبير المنشور- نسي كل هذه القيم والمبادئ التنويرية.

أنصحهم أن يلقوا نظره علي الزي اليهودي للنساء اليهوديات الملتزمات فسوف تجدوه أكثر تشددا من تلك الصورة التي نشرها صديقي، ومثلها خادمات الكنائس من المسيحيات الملتزمات.

فكيف يعطي لنفسه الحق في الحكم علي تلك المرأة انها مجبره على هذا اللباس وكيف له أن يحكم على تلك المرأة وزوجها أنهم لديهم عقدة أزمة هوية؟! هل الزي الأوروبي هو الدليل علي التقدم والتنوير وهل الزي العربي أو الإسلامي دليل التخلف والتأخر؟!

أنا لن أدخل في نقاش أو جدال ما هو الزي الإسلامي سواء للرجل أو للمرأة، لكنني أعتقد أن الاسلام وضع المبادئ العامة لهذا اللباس ولكل إنسان الحق في أن يلبس ما يشاء طالما يحافظ علي تلك الحدود وهذه المبادئ. و لكي تزول هذه الحساسية من صديقي ومن كل مدعي التنوير والليبرالية، عندي لهم بعض النصائح:

أولا، أن يقرأوا قليلا أو يحاولوا السفر خارج بلادهم كي يروا التنوع والاختلاف بين الأمم والشعوب ويتعودوا علي مظاهر ذلك الاختلاف، فحينها سوف يرون الزي الإسلامي للمرأة الآسيوية في شرق آسيا والمرأة الهندية والمرأة التركية والمرأة المغربية والمرأة الإفريقية، هم لديهم حساسية فقط من الزي العربي الاسلامي.

ثانيا، اعتبروا هذا الزي نوع من أنواع التراث العربي وان هذه المرأة العربية تحب تراثها وتحب هذا الزي. ليس من الضروري أبدا ان تلبس المرأة الزي الاوروبي كي تطمئن عليها انها غير مجبره علي شيء أو أنها ليس لديها الحرية في التفكير والاقتناع بهذا الزي أو ذاك.

ثالثا، أنصحهم أن يلقوا نظره علي الزي اليهودي للنساء اليهوديات الملتزمات فسوف تجدوه أكثر تشددا من تلك الصورة التي نشرها صديقي، ومثلها خادمات الكنائس من المسيحيات الملتزمات. وعلي العكس منا، هذه المرأة اليهودية الملتزة بزييها اليهودي والخادمة المسيحية الملتزمة بتعاليم دينها لن تجد من ينتقد زيها ولا حريتها من أبناء عقيدتها أو أبناء جلدتها لن تجد مثل هذه السلطوية إلا في بلادنا من مدعي التنوير والحرية.

في الختام، وأنا أكتب هذا المقال من خارج بلادي العربية، أحب أن أشكر كل المسلمين -سواء رجال أو نساء- من مختلف بقاع العالم الاسلامي والذين يمشون في شوارع أوروبا فخورين ومتمسكين بزيهم التقليدي الاسلامي. نعم يوجد هنا في أوروبا من يكرهون أن يروا ذلك الزي الإسلامي التقليدي في شوارعهم، لكن الغريب أن أري ذلك الكره في عيون إخواننا وبني عقيدتنا وبني جلدتنا في بلادنا الإسلامية العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.