شعار قسم مدونات

الإنسان والآلة

blogs - robot
نعيش في عصر تعددت فيه الآلات وتنوعت وتطورت وأصبحت أكثر قوة وذكاءً من الإنسان، مما جعل الإنسان يعتمد عليها في كل مناحي الحياة بشكل شبه كلي، فتضاءلت معدلات الذكاء الإنساني واستفحلت معدلات ذكاء الآلة. مما يشكل خطراً علي حياة الإنسان النفسية مع ازدياد اعتماده علي الآلة في كافة أمور حياته، والذي يؤدي إلي فقدان الثقة بالنفس وضمور القدرات الإنسانية نتيجة لعدم استخدامها والاعتماد علي الآلات بدلاً من منها. 

ربما لم يستشعر الإنسان ذلك الخطر بعد إلا أننا يجب أن نبرز وأن نشير إلي مثل هذه القضايا المهمة وأن نعيد طرح الأسئلة من جديد لكي نستطيع التوصّل إلي أجوبة وحلول جديدة. ولأن لنا في التاريخ عبرة فإننا هنا سنستعرض بعض من الجانب التاريخي لهذا الصراع بين الإنسان والآلة. فمنذ بداية بزوغ الآلة في الحياة الإنسانية وهي في تحدي معه. وتفوقت عليه في كثير من السباقات التي أجريت بين الإنسان وبين الآلة.

الدراسات الحديثة التي أجريت علي العقل البشري أثبتت أنه يحتوي علي مليون مليون خلية وكل خلية أقوى من أي جهاز كمبيوتر في العالم.

ولعل من أفضل القصص الرمزية التي خلّدت هذا التسابق بين الإنسان والآلة هي قصة عامل أمريكي يُدعى جون هنري، خلّده طابع بريد أمريكي، حيث يظهر كما في الصورة وبيده مطرقة وكأنه مولود بها، وكان رمزاً للقوة الجسدية الهائلة. وتحكي القصة أنه كان عاملاً في السكك الحديدية، وكان ضمن فريق من العمال مهمته تكسير الصخور لشق الأنفاق داخل الجبال لمد خطوط السكك الحديدية. ولكن جون هنري لم يكن عاملاً عادياً حيث كان علي درجة كبيرة من البراعة والمهارة، وسرعان ما أصبحت براعته هذه كالأسطورة.

وفي أحد الأيام جاء بائع إلى العمال ومعه حفّار جديد يعمل بالبخار، وزعم أن بوسع هذا الحفّار التفوق في الأداء على أقوى رجل. وعندما سمع جون هنري ذلك، سخر من فكرة أن تستطيع الآلات بأي حال من الأحوال مضاهاة عضلات الإنسان، وظن أنه باستطاعته التغلّب علي الحفار الجديد. ولهذا تم اقتراح عمل مباراة – الإنسان ضد الآلة – لرؤية أي منهما يستطيع حفر نفق في أحد الجبال أسرع من الآخر.

وفي مساء اليوم التالي، بدأ السباق: الحفار البخاري علي اليمين، وجون هنري علي اليسار. تقدمت الآلة في البداية، ولكن جون هنري استجمع قوته بسرعة. وكانت قطع الصخور تتساقط بينما كان كل منهما يحفر نفقه، وقبل أن يمضي وقت طويل، استطاع جون هنري اللحاق بمنافسه.

وقبل نهاية السباق بلحظة، اندفع جون هنري ليسبق الحفار البخاري، ويكون الأول في اختراق الجبل والنفاذ إلى جانبه الآخر. وابتهج أصحابه العمال. ولكن جون هنرى، نتيجة للجهد الشاق الذي بذله، انهار وخارت قواه. ثم فارق الحياة. وشاعت القصة في الأغاني الشعبية والكتب، وأصبح موته رمزاً لعصر الصناعة.

وكان هذا انتصارا عظيماً للآلة علي الإنسان، وبهذا خسر الإنسان شيئاً من سموّه أمام الآلة. ولكن الإنسان ليس مجرد آلة من لحم ودم، بل لديه شيئاً أكثر سموّاً بكثير من ذلك الذي خسره، آلا وهو العقل.

العقل في تحدي مع الآلة:

ولم يتوقف الصراع بين الإنسان وبين الآلة، ودخل العقل هو الآخر إلى حلبة هذا الصراع متمثلاً في بطل العالم للشطرنج "جاري كسباروف" الذي كان يُنظر له علي أنه عقل يمشي علي الأرض، والذي ظن أن باستطاعته أن يهزم أي جهاز كمبيوتر في العالم، حيث صرّح في عام 1987 قائلاً في تفاخر "لا يستطيع أي كمبيوتر هزيمتي أبداً"، ثم بعد ذلك هُزم أمام كمبيوتر Deep Junior في عام 2003 في مباراة شهيرة تابعها الملايين من كل أنحاء العالم عبر شبكة الإنترنت.

تضاءلت معدلات الذكاء الإنساني واستفحلت معدلات ذكاء الآلة. مما يشكل خطراً علي حياة الإنسان النفسية مع ازدياد اعتماده علي الآلة في كافة أمور حياته.

وظن الجمهور أن سبب هذه الهزيمة هو أن قدرة الكمبيوتر تفوق قدرة الإنسان، حيث كان يقول كاسباروف إنه عندما ينظر لرقعة الشطرنج، يستطيع تحليل ما بين نقلة واحدة وثلاث نقلات في الثانية. أما الكمبيوتر "ديب جونيور" فمثير للإعجاب أكثر، ففي كل ثانية، يقوم بتحليل من 2 إلى 3 مليون نقلة ممكنة!

ولا شك أنه تفوق كبير للآلة علي الإنسان ولكن الدراسات الحديثة التي أجريت علي العقل البشري أثبتت أنه يحتوي علي مليون مليون خلية وكل خلية أقوى من أي جهاز كمبيوتر في العالم، وهذا يبطل رأي الناس الذين ظنوا أن قدرة الكمبيوتر تفوق قدرة العقل البشري.

ولكن لماذا لا يستطيع الإنسان تحليل 3 مليون نقلة شطرنج في الثانية الواحدة ؟، لماذا يتفوق الكمبيوتر علي الإنسان في هذا الجانب مثلما تفوقت آلة الحفر عليه في جانب القوة ؟ وما مصير الإنسان في ظل تفوق الآلة عليه؟ ألا يعد ذلك خطراً علي الإنسان نفسه؟ كل هذه الأسئلة لابد من إعادة طرحها من جديد علي الإنسان نفسه الذي اخترع الآلة والكمبيوتر لعله ينتبه إلى خطورة الموقف ويعيد تصحيح مساره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.