شعار قسم مدونات

أحلم بمشاركة وحيدة فى انتخابات قبل أن أموت

blogs - صندوق انتخابات مصر
يضربون المثل بنبي الله أيوب عليه السلام في صبره على مرضه وفقره أكثر من ثمانية عشر عاماً، وتناسوني في صبري على مرضي وعلة وطني وأسقطوني من حساباتهم رغماً عني وقتلاً لضمائرهم، فإن كان أيوب قد صبر ما يقارب عقدين من الزمن على مرضه، فأنا صابر طوال عمري على مرضي بحلم المشاركة في انتخابات في وطني ولو لمرة واحدة، قبل أن يُقدر لي مفارقة الحياة، حلم المشاركة في الاقتراع لازمني منذ طفولتي، فقد بنيت عليه مستقبلي كاملاً، لأنني حينها سأكون أتمتع بحق المواطنة كاملاً في وطن حر، ولي حق اختيار من يمثلني تشريعياً دون تزييف لصوتي، واختيار من يدير شؤوني تنفيذياً من دون ضغوط سلطوية، فهذا هو كارت العبور الأعظم الوحيد لي من نفق الصراع مع السلطويين وحياة البؤس والعبث التي فرضوها علي كرهاً إلى حياة اَمنة طبيعية ومستقرة، ومازلت أحارب لأجله.

المشاركة في انتخابات تشريعية وتنفيذية منضبطة خالية من حنجورية الفاشية باسم الوطنية والفاشية باسم الدينية، وخالية من المال السياسي، والمقايضة على الأصوات بالسلع الغذائية، والاجتهاد في سبيل صناعة مناخ سياسي منظم مفتوح وحر تحترم فيه حرية الفكر والإبداع والرأي، يتغذى على الوعي الشعبي وليس على احتياجات البسطاء، ويحافظ على أصحاب البرامج الانتخابية ويحميهم من همجية السلطوية الأحادية والمال السياسي، ويقييمهم من خلال كفاءة البرامج وأولوية محتوياتها، وهدم مؤممة السلطوية الانتخابية، حلم مشروع واغتياله جريمة، فلا يوجد مجتمعات تقدمت بمؤسسات كرتونية، تدار من داخل الأنظمة الحاكمة، بينما المجتمعات التي اختارت ممثليها بإرادة حرة عبر اقتراع نزيه أصبحت في مقدمة الأمم، فلماذا تريدونني أن اكره الخير لوطني وأشارك في هلاكه؟

فأنا لم أشعر بأنني شاركت في أي انتخابات سابقة بسبب عدم تقديم ضمانات التنافسية المنضبطة، وأيضاً عدم وجود منظومة عادلة تفصل بين المتنافسين بالعدل، وتترك للصندوق المغلق رأيه وإفرازه دون تدخل فوقي أو مالي، وتتمسك بنزاهة العملية الانتخابية كاملة حتى انتهائها، لتُشعرني بأن صوتي ذهب في مساره كما أردت أنا توجيهه، وليس كما أراد توجيهه صاحب القوة أو صاحب المال، لضمان اكتمال التحول الديمقراطي بمفهومه الصحيح، وكذلك لأنني لم أجد البئية الإعلامية المهنية التي تحترم قواعد المهنة وشرفها، وتعرض وجهات النظر والأفكار كما هي وليس تشويه هذا وتخوين ذاك وشيطنة المخالف لها، وتتجيش لممثليها فقط.

أنا أحلم بانتخابات تحترم مفهوما بجوهرها الأساسي الذي هو الشعب يحكم نفسه، وهو مصدر السلطة، بهدف تسوية الصراعات السياسية والاجتماعية بطرق سلمية يفصل فيها العامة وليس النظام.

فأنا لست أحلم بمزيد من الانتكاسات لوطني، أنا فقط أحلم بانتخابات يذهب فيها المواطنون إلى من يرونهم أهل كفاءة وقادرين على إحداث تغيير سياسي وتحقيق تقدم للوطن، ويستدعونهم لترشيح أنفسهم لعل الجميع يعلم أن المناصب تكليف وليست تشريف، وأثناء التصويت يذهبون للجان الاقتراع من تلقاء أنفسهم، وأرى فيها طوابير الناخبين والزحام من الصباح إلى المساء كما أرها اليوم أمام المخابز ومنافذ السلع الغذائية، ولا ينتظرون مقابلا ماديا، أو سيارة المرشح التي تنقلهم للجنة الاقتراع، أو تعهدات بتحقيق مصالح شخصية، بل يسعون لوضع كل فرد في المجتمع في مكانه الصحيح.

لم احلم بانتخابات أرى فيها المرشحين يسوقون لأنفهسم بلافتات في الشوارع لا تأخذ اهتماماًً أكثر من أصحاب البيت المعلقة عليه، ينتظرون انتهاء الانتخابات ليستولوا علي اللافتات ويصنعون منها فراشاً لطاولة الأكل، أو ربما لا ينتظرون الانتهاء من الانتخابات، ويعقب ذلك المشهد العبثي لجان اقتراع خاوية وناخبون لم يظهروا إلا عند إعلان النتائج.

أحلم بالمشاركة في انتخابات وسط بئية تشريعية نقية تشرف عليها منظومة قضائية عادلة تعطي لكل ذي حق حقه، ولا تجور على أحد، وتحترم حق المواطن في اختياراته وتتركها تذهب لمن وثق بهم، ولا تؤمم سلطة الشعب لصالح النظام الحاكم، وتلتزم بضوابط الضمير تجاه عملها، لا أحلم بانتخابات يحسمها المسؤولون عن إدارتها قبل بدء الاقتراع.

من العبث بعقلي أن يطلب مني أحدهم أن أشارك في أي انتخابات قادمة وأخوض معركة تنافسية جديدة في نفس المناخ السياسي العام الموجود بنفس المعطيات السابقة، لأحصل على نفس النتائج التي حصلت عليها سابقاً، فأنا لست بهذا الكم من الغباء الذي يجعلني أستنسخ الخطأ مرتين، وأراهن على أماني لم يتأسس قواعدها بعد، وأكون مجرد قطعة ديكور على مسرح يتم تفصيله لستر نظام حاكم تعرى، لا يمثل فيه سوى من أراد ان يكون كومبارس.

فقط أنا أحلم بانتخابات تحترم مفهوما بجوهرها الأساسي الذي هو الشعب يحكم نفسه، وهو مصدر السلطة، بهدف تسوية الصراعات السياسية والاجتماعية بطرق سلمية يفصل فيها العامة وليس النظام الحاكم، تتوفر فيها النية الحقيقية لتداول السلطة والتغيير السلمي لمراكز القوة لتجنب الاصطدامات العنيفة بين المراكز والفئات والأفكار المختلفة التي تهلك الأوطان، فغالبية الدول التي تُجرى فيها الأنظمة الحاكمة الانتخابات لتحقيق مقاصد وأهداف سياسية نقيضة لمبادئ الانتخابات الديمقراطية، وتسعي لكسب شرعية حكم ديمقراطي زائفة هلكت فيها الأوطان في الصراعات التي تقوم بينها وبين فئات الشعب الأخرى على خلفية التلاعب في آلية الانتخابات والاستيلاء على الحكم.

فأنا لا أحلم بالكثير، أحلم بانتخابات خالية من طوابير الزيت والسكر، وخالية من سماسرة الأصوات ومقاولي الناخبين، فهل سيتركني وطني أحقق حلمي؟ وإن تركني هل سيتركني النظام الحاكم أم سيغتالني كما سبق واغتال حلمي؟

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان