شعار قسم مدونات

سأغرد بالرغم من بشاعة صوتي

blogs - twitter
من السهل جداً الاختباء، ومن الصعب جداً إخفاء رأيك، وخصوصاً في المكان الذي يجمعُك بمن يخالفك الرأي، قُل ما تشاء في أي وقتٍ تشاء، وبُحريّة ولا تَخَفْ من انتقاد الناس لَك فلكَ حُرية إسكاتُهم.. (واعتبر ذلك حرية) انتقد، اشتُم، ناقش، عبَّر، اسرق، اقتبس، في النهاية أنت مُجرد شخص وهمي.

 

حاوِل شراء التصفيق الوهمي لإحدى مقولاتك الخالدة، حاول أن تشتري القطيع الذي ينقادُ خَلف عَظَمتك المُهترئة، حاوِل أن تصنعَ شخصيتك التي لم تُعرف بها من قبل، حاول فكل ذلك محاولات، حاول أن تكون المُلهِم بتجاربك، حاول أن تكتب في الصباح مقولة تشعُّ تفاؤلاً، حاول أن تعرض ما لديك لأشخاصٍ لا يعرفون قيمة المثالية، حاوِل.. افعل ما تشاء فقد كُنت ذات يومٍ بيضة!

 

إلى مَعشر البيض: "لا تعيشوا كثيراً في أحلامكم التي لا تنتهي،ولا تعيشوا في رفاهية أمنياتكم، فأنتم الآن في وقتٍ أصبحت فيه الأفكار أقل قيمة من سعِر برميل النفط".

في وقتٍ كان يزدهر بالطبقية الفكرية، وعدم مُخالطة الآراء بالأُخرى، وتهميشها، وتجريمها، ومُعاقبة من يتناقل مقولات "مانديلا"، وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يتناقل الأفكار بسرية تامة، حتى لا يُمسَكَ متلبساً بأفكاره التي كانت تعتبر شذوذاً، لم يكن يُعرف ذلك الصندوق الذي بات اليوم يفكرون خارجه، لم يكن مُتداولاً في ذلك الوقت مصطلح "حُرية التعبير"، إلا في القنوات الفضائية، لم تكن تُعرف الطاولة المُستديرة ذلك الوقت.

 

فكَّر أحدهم وقال: يا الله.. ما الذي يحدُث؟ مازلنا نعيش في هذا الزمان، الذي يعتبرُ محرَّماً علينا التفكير! حان الوقت ليعبر الجميع عن آرائهم.. في البداية اتهمهُ أحدهم بالجنون! لم يفكر كثيراً "جاك دروسي" – مؤسس "تويتر" البالغ من العُمر 30 عاماً بل سارعَ في تأسيس موقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر"، والذي أصبح بفضلهِ من أفضل الشخصيات المُبتكِرة وأكثرهُم ثراءً، وأصبحَ الشخص الذي يمتلك المكان الذي يمتلكُ أفكارك وآراءك.

 

سارعَ الجميع في التسجيل في المكان الذي يجمعُ الأفكار في صفحة واحدة، اجتمعت أفكار الجميع تحت سقف إلكتروني واحد، اختلطَ الحابلُ بالنابل كما يقال، أصبح الرويبضة يصدح، وأصبحت الصُحف تتناقل، وأصبح الجميع يهذي بحرية الرأي، أصبح الجميع بتفاخرُ بعدد المُتابِعين، بات الجميع في خوفٍ من الأفكار التي قد تنتشرُ بسرعة.

 

أصبح البعض عبارة عن ساعي بريد للأفكار حيثُ تكفَّل بنشرها دون مقابل، حتى أصبح الجميع مُثقفين في الصباح، وسياسيين قبل الغروب، واقتصاديين قبل مُنتصف الليل، وعُشَّاقاً آخر الليل.. ويعارضون بشدَّة ويتَّفقون في نفس الوقت، أصبح الأمر بغاية البشاعة، أصبحتَ الحياة أسهل بشكلٍ أكبر، أصبح العالم أقرب، والصِدق أبعد، انكشفت الوجوه، وسقطت الأقنعة، وشاء الله أن يميز الخبيث من الطيّب. أصبحنا تحت رحمة الأفكار، أصبحنا تحت رحمة التغريد بلا صوت، أصبحت البندقية لا تطلقُ النار، أصبحت العلاقات تحت بند التغريدات، وتحت بند الإضافات، وأصبحنا وأصبح المُلك له!

 

إلى مَعشر البيض: "لا تعيشوا كثيراً في أحلامكم التي لا تنتهي، لن تكونوا أصحاب الأفكار الخالدة، لا تنتظروا أن يصفِّقَ الجميع لكم على تغريداتكم المسروقة، لا تُطيلوا النظر في كتاباتكَم المليئة بالأخطاء الإملائية، لا تعتقِدوا بأنَّكم ستكونون في يومٍ ما كـ"غازي القصيبي" أو "غسَّان كنفاني"، ولا تعيشوا في رفاهية أمنياتكم، فأنتم الآن في وقتٍ أصبحت فيه الأفكار أقل قيمة من سعِر برميل النفط".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.