شعار قسم مدونات

القمة العربية.. هل تهيئ للحل الإقليمي؟

blogs القمة و فلسطين

دشنت القمة العربية التي انعقدت في البحر الميت في الأردن نهاية الشهر الماضي في بيانها الختامي دعوة جديدة لإطلاق "مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية جادة على أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ". وقد تكون هذه الدعوة طبيعية لو كانت في زمن آخر غير الذي تعيشه المنطقة الآن، ولكن الخطير في الأمر أن هذه الدعوة جاءت وسط محاولات إسرائيلية للتوصل إلى ما يسمى السلام الإقليمي القائم على تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يعني تساوقا مع هذه الدعوة من خلال إطلاق مفاوضات حل الدولتين الذي يفسره نتنياهو بـ (دولة -) أو (حكم ذاتي +) والولوج من ذلك لتطبيع العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني.

 

والملفت أن إطلاق المفاوضات لم يشترط أسسا محددة مثل تفكيك المستوطنات واستعادة القدس ووقف التهويد الإسرائيلي فيها، ما يدفع هذه المفاوضات لتصب في مصلحة الموقف الإسرائيلي المتشدد من هذه القضايا. وأكدت القمة في بيانها الختامي على ذلك من خلال عدم تحديد إطار لحل مشكلة اللاجئين وتركها للتفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك حين أصرت على مبادرة السلام العربية عام 2002 التي قالت إنها "توفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية" أي إطلاق تطبيع للعلاقات العربية الإسرائيلية!

 

ويذكرنا ذلك باللقاء الذي جرى في العقبة العام الماضي وجمع كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ولكنه لم يفض إلى نتيجة رغم أن الدول العربية عرضت التطبيع بمجرد استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أي أنها وافقت على الحل الإقليمي! وفي سياق تقديم هذا الحل، حرص نتنياهو على إظهار أن العديد من الدول العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدوا لها، في محاولة منه للفت الانتباه عن الصراع العربي الإسرائيلي متعللا بأن التنظيمات المتطرفة مثل داعش أصبحت هي الخطر الأكبر على الدول العربية وليس إسرائيل. ومن هذا المنطلق، وفي ضوء تحالفه مع اليمين المتشدد الذي يرفض تقديم أي استحقاق في القدس والمستوطنات في إطار أية عملية سلام، لجأ نتنياهو إلى التشدد تجاه المطالب بعودة المفاوضات، وفرض شروط إضافية أهمها غض الطرف عن الاستيطان. وأشار نتنياهو إلى أن السلام يتحقق بالطريقة المعاكسة، أي بالسلام مع العرب ثم مع الفلسطينيين لاستثمار الحالة التي تمر بها المنطقة وحاجة الدول العربية إلى تشكيل تحالف مع واشنطن وتل أبيب لمواجهة إيران والإرهاب والإسلام السياسي.

 

الحل الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين هو التوحد على برنامج وطني يحفظ الثوابت ويدعم المقاومة. فإن استمرت السلطة في تجاهل ذلك فقد تدفع ثمنا غاليا

ولا تريد إسرائيل في ضوء هذا الوضع وقف الاستيطان والالتزام بحل الدولتين متسلحة برفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب لحل الدولتين وموافقته على ما يتفق عليه الفلسطينيون وإسرائيل بدلا من ذلك، خصوصا لا سيما وأن اتفاق أوسلو لم يتحدث صراحة عن حل الدولتين وترك إطار الحل النهائي رهنا لما يتم التوافق عليه بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وإذا كان هذا هو حال الأنظمة العربية وموقف الإدارة الأميركية من الحل السياسي، فلن يجد نتنياهو وحكومته المتشددة أنفسهم في وارد تقديم استحقاقات للعرب والفلسطينيين طالما رأى أنهم محتاجون لإسرائيل في المعركة على الإرهاب ومحاربة إيران!!

 

ومن هنا، فإن القمة العربية بإصرارها على الحل في هذا الوضع تدفع بالسلطة للرضوخ للمطالب الإسرائيلية، وتقديم استحقاقات في غير زمانها وتتساوق بالتالي مع الحل الإقليمي والذي سيطرح على الزعامات العربية (السيسي – عباس – عبد الله الثاني) الزائرة لواشنطن بهدف لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الأيام. وسيجد بالتالي الزعماء العرب أنفسهم في دوامة جديدة تسوقهم نحو الاستسلام للعدو وتدفعهم ربما لمحاولة استبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدحلان الذي سينخرط في محاربة حماس لإخلاء الساحة لتمرير الحل الإقليمي وتقديم تنازلات جديدة للعدو. الحل الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين هو التوحد على برنامج وطني يحفظ الثوابت ويدعم المقاومة. فإن استمرت السلطة في تجاهل ذلك فقد تدفع ثمنا غاليا. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.