تستيقظ من النوم، أو تستعد له، لا فرق، تطالع هاتفك كما اعتدت أن تفعل فتجد صندوق بريدك في تطبيق الواتسآب قد امتلأ بالرسائل الواردة من الأصدقاء والمعارف.
سيسعدك هذا غالبا، خصوصا إذا كنت حديث عهد بالواتساب، فمعظم هذه الرسائل يكتسي بالطابع الديني ويمتلئ بالحكم والمواعظ والحديث عن مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال. في عالم الواتساب في بلادنا، كل الرسائل غالبا مثالية أو تحاول إظهار ذلك، ففي صباح يوم الجمعة مثلا تردك عشرات الرسائل التي تدعو لك بجمعة مباركة، وفي كل يوم تأتيك أدعية في الصباح وفي المساء وما بينهما، وفي كل وقت تأتيك حكم بالغة وقصص رائعة عن الحب والتعاون والتآلف والتسامح.
ولأن الدال على الخير كفاعله، فكثير من الرسائل تبلغك في نهايتها بأن القراءة وحدها لا تكفي، وإنما عليك، أن تنشـرها لينتفع بما فيها آخرون، حيث يأتيك الأمر واضحا من المرسل قائلا: انشرها ولا تجعلها تقف عندك!. أحيانا يكون الطلب مهذبا ورقيقا فتجد في ختام الرسالة: فضلا لا أمرا انشرها ولا تجعلها تقف عندك، وأحيانا لا يخلو الأمر من الترغيب والترهيب، حيث يخبرك المرسل أنه كان ممن سبقك أشخاص اهتموا بإرسال الرسالة فانفتحت عليهم أبواب الخير، وآخرون قصروا في ذلك فانقلبت حياتهم رأسها على عقب.
صحيح أنك لا تصوم بداية رجب لكن لا بأس أن تذكّر أصدقاءك، وصحيح أنك تحب النميمة لكن لا مانع أن تحذر الأصدقاء منها، فالعمل صعب لكن الكلام سهل وجميل، فما بالك وأن الأمر لا يحتاج حتى إلى كلام أو كتابة وإنما هي مجرد ضغطة زرّ!
ولأننا جميعا كما تعرفون وكما هو واضح في حال أمتنا، من المؤمنين الصالحين الذين لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم، فنحن غالبا نقوم بتحويل الرسالة إلى الأصدقاء، وأحيانا يفيض كرمنا فنهديها إلى كل المتواجدين في قائمة الاتصالات بهاتفنا الذكي. ونظرا لكثرة الرسائل، وضيق الوقت خصوصا أن وقت الهاتف ليس حكرا على الواتساب وحده، فهناك الفيس بوك وشقيقه تويتر وهناك أبناء عمومتهما من انستغرام وتيليغرام وسناب شات وما شابه، ولأننا كما أخبرتكم من الصالحين ويشهد بذلك حالنا!! فقد أصبحنا في الغالب نخفف عن أنفسنا عبء قراءة الرسالة والتدبر في معانيها، لكننا لا نفرط في نيل ثواب المهمة الأسهل وهي تحويل الرسالة إلى الآخرين.
وليس ضروريا أن يكون هذا الآخر صديقا لك، فيكفي أن يكون شخصا قابلته مرة واحدة وسجلت رقم هاتفه، كي تحاول أن تثبت له عبر هذه الرسائل كيف أنك رجل صالح ناصح، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. صحيح أنك لا تصوم بداية رجب لكن لا بأس أن تذكّر أصدقاءك، وصحيح أنك تحب النميمة لكن لا مانع أن تحذر الأصدقاء منها، فالعمل صعب لكن الكلام سهل وجميل، فما بالك وأن الأمر لا يحتاج حتى إلى كلام أو كتابة وإنما هي مجرد ضغطة زرّ!
اممممممم، أكاد أسمع من يقول: وما يضايقك في تحويل هذه الرسائل الطيبة لعلها تفيد الآخرين؟ وهنا آخذك مباشرة إلى بيت القصيد، وأسألك عزيزي القارئ أو أدعوك للتساؤل معي عن الفائدة في تحويل رسالة لم نقرأها غالبا وبالتالي لم نستفد منها أو نعتبر مما جاء فيها؟ أعرف أن البعض سيرد علي بسؤال ويقول: وما الذي يمنع أن نوزع الخير إذا لم نتمكن من الاستفادة به؟ ثم من قال لك إن الأغلبية تحول الرسائل دون أن تقرأها؟ وأنا بدوري أريد أن أسأل هذا البعض: إذا كنا جميعا نقرأ كل هذه الرسائل الإيمانية والأخلاقية والتوعوية الجميلة، فلماذا أصبح حالنا كما ترى؟ رسائل في الأخلاق ولا أخلاق، وفي التسامح ولا تسامح، وفي الكرم ولا كرم، وفي الشجاعة ولا شجاعة، وفي الصدق ولا صدق وفي الرحمة ولا رحمة!
أرجوك عزيزي القارئ إن قابلت بعض هؤلاء فاسألهم نيابة عني وعنك: إذا كنتم ممن لا يقرأ الرسالة وينهل من خيرها، فلماذا تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟ أم يا ترى تريدون أن نصدق أنكم تؤثروننا على أنفسكم؟ صدقوني سينصلح حال مجتمعنا إذا اهتم كل منا بتغيير نفسه وتحسين حاله، وتذكر دائما أنك أولى الناس بحصد الفائدة مما يرد إليك من رسائل، فإن فعلت فلا بأس أن تحولها للآخرين بعد ذلك، وإن لم تفعل فأرجوك أرجوك: لا تنشرها واجعلها تقف عندك والأهم أن تقف أنت عندها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.