شعار قسم مدونات

فهم الإسلاميين للدولة والنظام الدولي

blogs - مصر

لا يكفيك معرفة الحق للحصول علىه أو الانتصار له، فإذا لم تفهم شريعة المجتمع الدولي وقوانينه التي تحكم واقعه فلن تستطيع فرض إرادتك علىه ولا تغيير قواعده. هل تعلم أن الكثير من القوانين التي تحكم القانون الدولي لا تتعارض مبادئها مع الاسلام، وهل تعلم أن فهم بعضنا للإسلام أحد أسباب رفض المجتمع الدولي للإسلام! وأن عدم فهمنا للدولة الحديثة أحد عوائق إقامتها على أرضنا. فإذا كان الإسلام دين ودولة فعلى الداعين له أن يدرسوا ماهية الدولة بالمفهوم الحديث، ولأن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان فلا تحصروه في القرون الأولى بممارساته القديمة وفهم القدماء لإلىات الحكم.
 

إن العالم بشكله القديم قد أُجريت علىه تغييرات كبيرة غيرت مفهوم الدولة، وعلاقاتها الدولية في الحرب والسلم، واتضح هذا في تطور العلاقات الدولية من مرحلة الحروب الفوضوية في العصور القديمة إلى مرحلة عصبة الأمم كبداية للتنظيم الدولي وحل المنازعات بعد الحرب العالمية الأولي، ثم أخيراً مرحلة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي عدلت مفهوم السيادة حيث أصبح لهذه المنظمات أن تتدخل للدفاع عن حقوق وحريات الأفراد، وأرست مبدأ حظر استخدام القوة أو التهديد بها في المنازعات الدولية، ولا يصار إلى ذلك إلا بإذن من الأمم المتحدة ومجلس أمنها، فأصبح لمجلس الأمن الحق في التدخل لفض المنازعات الدولية بقوة القانون الدولي .
 

إن النظام الدولي في أحيانٍ كثيرة يمارس الظلم والكيل بأكثر من مكيال، خاصة ضد الضعفاء ،ولكن ما يمكنه من ذلك ويساعده أمرين:
الأمر الأول: أن منظمة الأمم المتحدة ومبادئها ونظامها القانوني قد تأثرت بسطوة الدول العظمى المُنشئة لها، ولأن نشأتها كانت عقب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولي فكانت القاعدة أن المنتصر يفرض رؤيته وسيطرت الدول العظمى على المجتمع الدولي بالعضوية الدائمة وحق الفيتو.
 

الأمر الثاني: هو جهل الضعفاء أنفسهم وتصميمهم على المضي في طريق الجهالة بقواعد اللعبة التي ليس منها مفر حتى تتغير، فلو فهم النظام العراقي في التسعينات كيف يدار العالم ما أقدم على جريمة احتلال الكويت وما اقترنت به هذه الجريمة من مظالم وتعديات على حقوق وأعراض الكويتيين، هذه الجريمة التي حولها بعض الجهلاء بالشريعة إلى حلال مباح مستمد من دين الله! فإذا قبلت الظلم على الآخرين فاستعد إذن أن يظلمك النظام العالمي وهو مرتاح الضمير.
 

الاسلام جاء ليقيم الدنيا بالدين، ومهمة المسلمين أن يقيموا الدين أولاً لتقوم به الدنيا، لكننا وبكل أسف لم ننجح في إقامة الدنيا ولم ننجح في إقامة الدين، لأننا عجزنا عن فهم الدين وعن فهم الدنيا معاً.

ولو فهمت الحركات الإسلامية المسلحة طبيعة هذه القوانين لوفرت على نفسها وعلى أمتها الكثير سواء في سوريا أو العراق أو غيرها، في النزاع المسلح لابد أن تحصل على شرعية دولية وفق النظام الدولي أولاً وهذه الشرعية لا تعطى إلا للدول وليس للحركات المتنازعة مع أنظمتها، ولك أن تتخيل إذا كانت هذه الحركات داعشية!
 

إذن عليك أولاً أن تقيم دولة قوية تحميها حاضنة شعبية مستقرة ومسيطر عليها، ثم تدخل في الصراع العالمي محاولاً تغيير قواعد اللعبة بما تمتلكه من قوة عسكرية واقتصادية، ولا يكفي أن تصل إلى الحكم بل يجب أن تحافظ عليه لأنك ستواجه كما يواجه أردوغان في تركيا مؤامرات الدول العظمى في هذا المجتمع الدولي.
 

إن الدول العظمى صاحبة الفيتو تمارس السياسة الدولية على طريقة المحام الذي يستغل ثغرات القانون ويمتلك النفوذ، فإذا كنت في محل من لا يستطيع تغيير هذا القانون وسد ثغراته فمن البؤس أن تجهله وتستسلم لأحكام مكرها ثم تكتفي بسب محام الخصم الذي اجتهد لكسب الدعوى، في حين كنت أنت المحام الفاشل الذي أضاع حق موكليه أولاً ثم عجز عن التأثير في الواقع الدولي آخراً.
 

هذا الفهم للطريقة التي تدار بها الشئون الدولية بمختلف منظماتها المتعددة سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو التجارة أو القانون الجنائي الدولي ومحاكمه الدولية لا ينفك عن مفهوم إدارة الدولة الحديثة بعناصرها واختصاصاتها الداخلية. هذا كله للأسف لا تجد له محل في رؤية الإسلاميين في مصر مع أن فهمه أحد المحددات الرئيسية التي تساعدهم على اختيار أي سبيل من سبل التغيير يجب أن يسلكوا، ثوري أم إصلاحي سلمي أم مسلح وفق الظرف الداخلي والبيئة الدولية ومدى تأثيراتها على المشهد، كما يطمئن هذا الفهم شركاء الداخل على مدى فهم الإسلاميين لطبيعة الدولة بمفهومها الحديث ومدى قدرتهم على إدارة صراعات الدولة وتناقضاتها.
 

إن الاسلام جاء ليقيم الدنيا بالدين، ومهمة المسلمين أن يقيموا الدين أولاً لتقوم به الدنيا، لكننا وبكل أسف لم ننجح في إقامة الدنيا ولم ننجح في إقامة الدين، لأننا عجزنا عن فهم الدين وعن فهم الدنيا معاً. نحن بقدر حاجتنا إلى فريق من المصلحين في مجال الأخلاق والتربية نحتاج إلى فريق آخر من المصلحين الذين هم على علم بتطور الحياة ونُظمها السياسية وعلومها الاجتماعية.

لقد أثبت الواقع بما لا يدع مجالاً للشك أن الفريق الأول قد عجز عن فهم ما يدور حوله ومعالجته دون الاستعانة بأهل الذكر المتخصصين من الفريق الآخر، ممن درسوا النظرية العامة للدولة، وتعلموا النظم السياسية والفرق بينها، وفقهوا القانون الدولي العام وتاريخ تطوره كمفتاح من مفاتيح التعامل مع العالم الذي أصبح يتدخل في الشئون الداخلية للدول، ويحد من استئثارها بممارسة اختصاصاتها على إقليمها، ثم نُسقط كل ذلك على مقاصد الشريعة ونبدأ في صياغة فقه معاصر لا يظلم الإسلام ولا ينفر منه الناس، حتى لا نصبح قطاع طريق نصد الناس عن الشريعة باسم الشريعة ونمنعهم عن طريق الله باسم الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.