شعار قسم مدونات

شعرة معاوية

blogs- شعرة معاوية
إن حياتنا متوقفة في جوهرها على مجموعة من العلاقات المتداخلة، والتي تُحدد بدورها شكل حياتنا، فكلما كانت مستقرة وناجحة كلما انعكس ذلك على الحياة بشكل أفضل.. يتربع فوق عرش هذه العلاقات، علاقة الإنسان بالله، باعتبارها العلاقة الجوهرية للوجود، والتي تُمثل في حد ذاتها انعكاس لكل العلاقات الأخرى في حياة الإنسان.

من بعد العلاقة مع الله، تترتب بقية العلاقات بشكلٍ تسلسليّ مع مراعاة فوارق العُمر واختلافات الظروف كلها.. علاقة الإنسان بنفسه هي بلا شك أكثرها تعقيداً وأهمية، وأكثرها تأثراً وتأثيراً في شتي علاقاته وأمور حياته.. من بعدها، العلاقة مع الآباء والأبناء والإخوة والأصدقاء، وتطورها مع تطور الزمان وظروف الحياة. ثم، العلاقة الخالدة بين الرجل والمرأة باعتبارها سر الحياة واستمرارها.

يكون الأمر يسيراً بالنسبة لذلك الطفل الذي يُولد لا يعرف عن الكون كله سوي صدر أمه، ثم تتسع دائرة المعارف شيئاً فشيئاً ويتزايد معها تشابك العلاقات تعقيداً. في كل مرة يُضاف شخص ما إلى ميزان العلاقات لدي ذلك الطفل يختل اتزانه قليلاً أو كثيراً حتى يتمكن من ضبط الميزان وتحقيق الاستقرار.
 

لا أعتقد أن هنالك من يستطيع أن يُصيغ قالباً يضمن علي من يتتبعه أن يحظى بحياة مستقرة وعلاقات صحية هادئة، لكن الأكيد أن تحقيق التوازن بين هذه العلاقات وتقبل انعكاس بعضها علي الآخر وعلي الإنسان بشيء من الحكمة والمرونة؛ هو أمر لا بد منه لكي تستمر الحياة

بعض العلاقات تكون يسيرة هينة تكاد تمر كنسيم الصيف البارد، تُنعش الحياة ثم تنقضي سريعاً، وبعضها يكون كهزة أرضية عنيفة تُوشك أن تحطم كل ما يعترض طريقها، ولكن القليل فقط هو ما يُكتب له أن يستمر مع الحياة.

الحكمة؛ أن يضبط المرء أركان حياته الأساسية ويجعلها راسخة، وأن يتقبل الهزات العنيفة كظاهرة قدرية لا بد منها، أن يتعلم منها لكي يتخطاها ومن ثم يكون أكثر قوة واتزاناً.. تكمن المشكلة الحقيقية حين يكون مركز الهزة هو إحدى أركان العلاقات الأساسية، حينها ينبغي على المرء أن يتصدى بكل دفاعاته وقوته كي يُنقذ حياته من توابع ذلك.

في علاقة الآباء والأبناء لا يوجد أمام المرء سوي أن يتقبل القدر واختيار الله، كجزء من تكوينه. أما عن الأصدقاء، فالاختيار أمر عصيب، والمفاجآت لا تنتهي والحياة لا تتوقف، فتظل الدائرة مفتوحة لا يملك المرء أن يغلقها بغير أن يغلق على نفسه كل الأبواب التي تؤدي إلى العالم من حوله.

أما عن اختيار شريك الحياة، فالأمر مصيري وللناس فيه مذاهب، منهم من يبحث ويُنقب عن المواصفات التي يريد كأنه يقايض في سلعةٍ ما، ومنهم من اتخذ مذهب أهل الهوى فيتقبل من يلقيه عليه الهوى ويعيد تشكيل ميزان حياته بما يتناسب معه.

وغالباً ما تكون أكثر العلاقات قدرة على الفتك بحياة الإنسان هي علاقة الرجل بالمرأة، باعتبارها العلاقة الطارئة الجديدة علي حياته؛ وفي الوقت ذاته أكثرها تأثيراً علي تشكيل مستقبله واستقراره.

لا أعتقد أن هنالك من يستطيع أن يُصيغ قالباً يضمن علي من يتتبعه أن يحظى بحياة مستقرة وعلاقات صحية هادئة، لكن الأكيد أن تحقيق التوازن بين هذه العلاقات وتقبل انعكاس بعضها علي الآخر وعلي الإنسان بشيء من الحكمة والمرونة؛ هو أمر لا بد منه لكي تستمر الحياة، وهو ليس بالأمر اليسير وإنما يتطلب قدر وافر من الحكمة والصبر والشجاعة في التخلص من بعض العلاقات التي تهدد باستقرار الحياة واضطراب ميزانها، والصبر علي أخريات لا تستقيم الحياة بدونها.

ها هنا تتجلي حكمة معاوية حين قال:" لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.