شعار قسم مدونات

السيسي يستبدل العمل العربي المشترك بالعمل مع إسرائيل

blogs - sisil

في قمة شرم الشيخ الـ 26، آذار عام2015، أعلن السيسي أن العرب اتفقوا على إنشاء قوة عربية مشتركة تتصدى للتهديدات التي تواجههم. إعلان نواكشوط في ختام القمة الـ 27، تموز عام2016، أهمل ملف القوة العربية واكتفى، بهدف حفظ ماء الوجه، بتكليف الأمين العام للجامعة لمتابعة المشاورات حول آليات التنفيذ. في قمة البحر الميت الـ 28، الأخيرة، لم تدرج القوة العتيدة أساساً في مناقشات القمة.

لا شكّ أن السيسي كان من أشد الداعين إلى إنشاء القوة المذكورة، إلا أن وفاة الملك عبدالله، الذي كان يريد السيسي والقوة المزعم إنشاؤها، يده الضاربة لوأد الربيع العربي والقضاء على الإسلام السياسي، أصابت حلم السيسي بانتكاسة، يبدو أنه أفاق منها الآن فقط، وذلك بعد لا واقعية تقربه الكيدي من المحور الروسي الإيراني، ومحاولته اليائسة في إعادة تسويق بشار الأسد، حيث واجهته معارضة غير مسبوقة من جميع حلفائه، بضمنهم الإمارات، وعاد إلى مساره الطبيعي على القطار الأمريكي الإسرائيلي الذي يملك 99 بالمئة من أوراق اللعبة، حسب القول الشهير للسادات، الذي ادعى السيسي أنه رآه في الحلم وبشره بأنه، أي السيسي، سوف يصبح رئيساً لمصر.

مصر الآن بصدد تحويل الميدان الجوي الصغير هناك إلى أكبر قاعدة جوية في مصر كلها ولكن هذه المرة بتعاون ووجود إسرائيلي فاعل.

أحد المتابعين، برر فشل الدول العربية في إنشاء القوة المشتركة، بحقيقة عدم امتلاك العرب للقوة من الأساس، فكيف يشتركون بما لا يملكون؟ رغم المفارقة، فإن واقع حال الأنظمة العربية الذي يفتقد الحد الأدنى من التوافق والاتفاق، كفيل بإجهاض أي جهد عربي مشترك، وأن القوة المزعومة كان بإمكانها، على كل حال، أن ترجح كفة "الحفاتر" ضد طموحات الشعوب العربية للقضاء على الجهل والتخلف والفساد وضد تطلعاتها نحو الحرية والديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص.

بعد أن فشل السيسي في تشكيل القوة التي تمكنه من فرض أجندته المضادة للربيع العربي، واكتشف أن المحور الروسي الإيراني سيجعله في عزلة مع محيطه العربي وبالذات، قد يؤدي إلى قطع شريان المال الخليجي عن نظامه القمعي، فضل السيسي العمل المشترك مع إسرائيل، وهو ما وصفه ترامب "بالعمل الرائع في الظرف الصعب" أثناء استقبال السيسي في البيت الأبيض.

يبدو كذلك، أن هذا العمل المصري الإسرائيلي المشترك، إذا لم يحض بدعم عربي معلن لما قد يجرّه من غضب في الشارع، فإنه بالتأكيد أخف وطأةً على الجميع من انفراد السيسي بالقوة العربية المشتركة، لأن براغماتية إسرائيل وسعيها إلى كسب ود المحيط العربي، سيحجمانها من المضي قدماً في تهور السيسي وحلفائه.

في تقرير يربط التاريخ بالحاضر ويتضمن الكثير من الإيحاءات الدينية والإسقاطات التاريخية، نشر أحد المواقع الإسرائيلية المهتمة بالشأن العسكري والمخابراتي، وبتلميح لا يخلو من بعض التصريح الوافي، تقريراً باللغة الإنكليزية يتحدث عن التعاون المصري الإسرائيلي لبناء أكبر قاعدة جوية في المنطقة، بإدارة مشتركة لمكافحة الإرهاب.

يقول التقرير: في رحلة التيه، خيم بنو إسرائيل في رافيديم، على بعد 90كم، شرق السويس. لم يعثروا على ماء الشرب، فتشاجروا مع موسى عليه السلام، قالوا: أعطنا الماء، نريد أن نشرب. قال موسى: لماذا تتشاجرون معي؟ لماذا تختبرون الرب؟ قال الرب لموسى: خذ بيدك العصا التي ضربت بها النيل. أضرب به الحجر وسوف يخرج منه الماء. فعل موسى مثل ذلك على مرأى من شيوخ بني إسرائيل. سمى موسى المكان مسّة ومريبة لإن الإسرائيليين تشاجروا وجرّبوا الرب. ثم جاء العماليق وقاتلوا بني إسرائيل في ريفيديم. كان بنو إسرائيل يغلبون كلما رفع موسى يديه، بينما كان العماليق يغلبون كلما أنزل موسى يديه، ثم هزم يشوع العماليق وقومهم بالسيف.

تم توسيع قاعدة رافيديم لتتمكن من استقبال مختلف الطائرات الحربية والسمتيات المقاتلة والدرونز، بمدرجات إقلاع وهبوط طويلة وحضائر كبيرة للإيواء ومخازن للقنابل والصواريخ والوقود.

بعد 3200 سنة، في عام 1967 صار اسمها بير جفجافة، موقع عسكري مصري يضم أكبر قاعدة جوية في سيناء تسمى"القاعدة 244″. أعلن عنها الرئيس الأسبق عبد الناصر أنْ: إذا أراد رابين الحرب فنحن لها. لا غرو إذن أن كانت قاعدة جفجافة أول من ضربتها إسرائيل عندما أجهزت على القوة الجوية المصرية ودمرتها تماماً على الأرض في حرب الأيام الستة في حزيران 1967، لتتحول القاعدة الجوية 244 المصرية، إلى قاعدة الباحة 3 الإسرائيلية، ثمّ لتصبح فيما بعد أكبر قاعدة جوية عملياتية لإسرائيل خلال حرب الغفران أو يوم كيبور: التسمية الإسرائيلية لحرب تشرين 1973.

لكن رافيديم، ثم بير جفجافة، ثم باحة 3، عادت لتكتب التاريخ من جديد عندما أصبحت الموقع العسكري الأول الذي انسحبت منه إسرائيل أواخر 1979، حسب اتفاقية السلام التي أبرمها الرئيس المصري السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغين برعاية الرئيس الأمريكي كارتر في استراحة كامب ديفيد.

مرّت 37 سنة أخرى قبل أن تصبح رافيديم الآن رأس الحربة في صراع الموت والحياة الذي يخوضه نظام السيسي مع الموالين للدولة الإسلامية في سيناء. مصر الآن بصدد تحويل الميدان الجوي الصغير هناك إلى أكبر قاعدة جوية في مصر كلها ولكن هذه المرة بتعاون ووجود إسرائيلي فاعل. وتم توسيع القاعدة لتتمكن من استقبال مختلف الطائرات الحربية والسمتيات المقاتلة والدرونز، بمدرجات إقلاع وهبوط طويلة وحضائر كبيرة للإيواء ومخازن للقنابل والصواريخ والوقود.

يقول التقرير أيضاً أن المصريين بنوا مؤخراً ملاجئ بأحجام هائلة للطائرات أبعادها 70×57م، لإيواء الطائرات المسيّرة نوع لوونغ وينغ التي اشترتها من الصين، طول الواحدة منها 9 أمتار بأجنحة وسعها 14متراً. وسيبنون مطاراً مدنياً لتقديم الخدمات الضرورية لفرق الجيش المصري المنتشرة في سيناء. ترزح ريفيديم اليوم تحت سنابك كتائب من العماليق الجدد: أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء، حيث لا يمكن الوصول إليها بسهولة إلا جواً أو بصحبة أرتال المدرعات.

السيسي يقول أن لديه خططاً لهزيمة داعش. يمضي التقرير بثقة المطلع على مواطن الأمور، أو ببرودة أعصاب من له يد فيها، قائلاً: ويريد أن تكون جفجافة أو ريفيديم حصناً منيعاً للقوات المصرية التي تقاتل في سيناء وتكون قادرة على توفير الحماية اللازمة لقناة السويس. كذلك ستكون هذه القاعدة التي تديرها مصر بالاشتراك مع إسرائيل محوراً لتنسيق العمليات الجوية عبر كل سيناء إلى الحدود الليبية وسوف تقوم بدور حيوي في منع شبكات الجهاديين من الانطلاق من ليبيا المضطربة، أو من قواعدها الآمنة في قلب سيناء، غير الخاضع لسيطرة الدولة، ومهاجمة المدن المصرية كما حدث في عيد السعف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.