لم أبخل على نفسي في مشاهدة قصص العظماء وقصص نجاحهم، فكم من بائع في السوق أصبح صاحب أكبر الشركات العالمية، وكم من موظف بسيط إلى مدير ورجل أعمال معروف، لقد رأيت نفسي في أعين كل هؤلاء، فلم أتذمر من سوء الحال، ولا من ضعف الأوضاع المالية والمستوى المتدني من المعيشة فكلها ما زادتني إلا إصراراً للالتحاق بهم والجلوس وسطهم. أذكر فيها قصتي التي أكتبها يوماً بعد يوم، أملك من الطاقة في داخلي لو حولتها إلى تيار كهربائي لأنارت العالم إلى الأبد، استطيع المضي قدماً إلى أبعد ما يتصوره كاتب للقصص الخيالية، نعم إنها طاقة الشباب التي فقدتها! قد فقدت الإحساس بالأشياء من حولي في لحظات، نعم إنها الحرب.
كم كنت سعيداً في إنهائي المرحلة الثانوية العامة ومتحمساً للدخول في التعليم العالي وسوق العمل، وقد كنت على اطلاع مسبق ببعض العواقب والصعوبات التي من الممكن ان تواجهني نحو العالمية، ولكني لم أخذ بالحسبان هذه الحرب، فكل أحلامي ذهبت في ثلاث قذائف أنزلت على بيتي والحي الذي أسكن فيه، في ردة فعل لطيار مر من فوق بيتي، فالأولى هدمت بيتي، والثانية هدمت أحلامي، والثالثة هدمت عزيمتي وإصراري، فتحولت كل أحلامي إلى فتات أصغر من ذاك الناتج من تفتت منزلي، وليس هذا إلا البداية فقط، فقد فقدت أهلي وأصدقائي ومدرستي، لقد قفدت الحاجة بالاستمرار فأصبحت اهرول مدبراً من المستقبل بعد أن كنت أركض مقبلاً للمستقبل ولأحلامي، لم يعد لي وجود يذكر.
لم أجد من الخيارات الكثير، إما الهروب من هنا باحثاً عن مستقبل أفضل أو البقاء وانتظار المصير، إما برقم على جبيني أو بضياع بين الحطام، إنها الحرب يا سادة أتت هي وذهب شبابنا مع دخان الانفجارات. لم أستطع الرحيل من موطني لأني لن أستطيع أن أحمل أحلامي معي، الرحيل هو ذهاب الجسد وبقاء الروح في الوطن وأي نفسٍ هذه إذ لم تكن جسداً وروح، فبقيت أنا وما أملك من شظايا الأفكار والأحلام.
ألم يستطع العالم كله على إيقاف خلاف في هذه البلد؟ لماذا ما زلت أسمع صوت الانفجارات والصراخ؟ لماذا هذه الأطفال ما زالت تبكي من حولي؟ |
مرت لحظات كانت أشبه بالكابوس المرعب، فقد الناس الأمل قبل فقدان الطعام، أيام تمر ونحن نفقد أشخاص من حياتنا، الأمور تتأزم، الحال يسوء ليس هنالك بصيص أمل للنجاة لم أعد اشعر بنفسي غير جثة على قيد الحياة، أيام وتمضي وعمر الشباب ينقضي. استطعت الهروب والجلوس مع بقايا الروح التي أملكها، أتفكر وأفكر هل الأمل يُفقد أم يختبئ، هل للأحلام أن تتجدد وبنائها كما يبنى البيت من جديد، هل أستطيع اللحاق بهم وأن أترك لي بصمة في هذا الكوكب الصغير، هل أستطيع أن أنير العالم ولو لمرة واحدة.
لقد سمعنا أن هنالك هدنة ومحاورات لحل الأزمة ومحاورات للسلام، لقد أشعلت قلبي من جديد وأصبحت أرى نافذة صغيرة لأحلامي وأرى شيء يقف بجانب هذه النافذة، نعم إنه الأمل، لقد أصبحت أشعر من جديد بحرارة داخل جسدي، أدركت أنني أستطيع بناء كل شيء يهدم، فلم أعد أخاف الحرب، وأن للسلام مكان بيننا، فرجعت ببناء خطة عمل للرجوع للطريق الصحيح دون مخاوف أو تردد، سوف ألتحقق بصفوف الناجحين وإشراكهم كل ما مررت به وأساعد على إنشاء جيل ذهبي استطاع المرور من بين القذائف والوصول ليحكي قصتهم، سوف أتكلم بلسان جميع الذين راحوا ضحية هذه الحرب، سوف أساعد بوقف جميع الحروب التي في العالم، أستطيع الشعور بهذا الحلم، سوف أساعد بإنشاء عالم بدون نزاعات أو حروب، هنالك مكان يكفي للجميع، لم يعد هناك مجال للرجوع الآن.
لم يمض كثيراً حتى عاودت صفارات الإنذار المتبقية بإخراج الصوت المزعوم، لم أستطع أن أفهم ما يجري للوهلة الأولى، هل من الممكن أن تكون المحاورات قد فشلت وعادت شعلت الحرب، ألم يستطع العالم كله على إيقاف خلاف في هذه البلد؟ لماذا ما زلت أسمع صوت الانفجارات والصراخ؟ لماذا هذه الأطفال ما زالت تبكي من حولي؟ هل فشلت فعلاً! هل هذا هو الشعور بالفشل الذي لم يستطع أي إنسان ناجح الاستسلام له؟
رفعت رأسي للسماء وقد ملئت بالنجوم والشعل الحمراء لقد شعرت بإحدى هذه الشعل تتجه نحوي، لم أستطع التحرك فقد كان جسدي ثقيل جداً، جسد بدون أمل أشبه بالكتل الصخرية الثقيلة، الجميع يهرب ويصرخ وأنا ما زلت أقف أنظر لهذه الشعلة التي ما زالت تقترب، لم أشعر بهذا الشعور من قبل فقد زال كل ما بي من إحساس ولم يعد هنالك ما يدعو إلى القلق، فكل ما قد يمكن بنائه قد بقي، ولكن ليس هنالك من يبني هذه الأحلام، لقد فشلت قبل أن أحصل على شرف المحاولة.
من ذكرى شاب قد فشل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.