شعار قسم مدونات

والذين آمنوا أشد حبا

blogs - sky
الثالثة فجرا، لا نور سوى الكلمات التي أقرأ، ولا صوت سوى ديك لا أعلم إن كان يصيح أم يسبَح، لكني أحب فكرة كونه يسبح. كلمات مررت عنها كثيرا لغرض آخر، هذي المرة عزمت أن أجتهد في فهمها- هذا لا يعني أني فهمتها-لكني حاولت، والراحة بعد هذه المحاولة وحدها من منحني حق الكتابة هنا.. "والذين آمنوا أشد حبا لله".

أنهيت الصفحة ورجعت حيث توقف عقلي: "والذين آمنوا أشد حبا لله"، وبدأت رحلة المحاولة بالكشف عن جاهزيتها للغوص عميقا في الجانب المظلم الذي لم أستخدمه يوما من عقلي: يرجع في الزمان إلى ما كبرت عليه في البيت والمدرسة من أساليب الشدة والرخاء، الترغيب والترهيب، الرحمة والعذاب، الجزاء والعقاب، لا أذكر أني تعلمت أنّ المؤمنين هم الأشد حبا لله، تعلمت أنَ المؤمن يصلي ابتغاء الجنة وخوفا من النار، حفظت في صغري أجزاء من القرآن لأحصل على جائزة ثمينة في ذلك الوقت -وحصلت-، صمت رمضان لأدعو الله مع كل إفطار بأن يجيب سؤالي وكنت أظن أنه لا يحبني لأنه لم يُجب ولم يتحقق ما أريد في الوقت الذي أريد والكيفية التي أريدها- كنت أظن أن الإجابة هي تحقيق السؤال، حديثا في محاولة أخرى تعلمت أن الإجابة هي شيء آخر تماما، ربما أكتبه لاحقا-، وقس هذا على أمور العبادة التي نتعلمها على أيدي مَن هم حولنا.


كان لزاما على أن أنشر هذا، عل أحدهم في بلد بعيد أحب أن يعلم ابنه البكر حب الله، لأن هذا الحب كفيل بكل الدروس الأخرى التي ستطلب عمرا لتعليمها علما أن نتائجها غير ثابتة، أما الحب فوحده من يدوم.

أرجع إلى الحاضر الذي دفعني إلى الغوص، ألاحظ العتمة من جديد، والهدوء الخارجي الذي يحيطني من جديد، لكن كل ما بداخلي كان يعم بالضجيج، يبحث عن إجابات، يدور في دوامة لا قعر لها، ثم يرجع يطير في الأفق، يصعد نحو النور، ويقول: لِمَ تقرأين القرآن الآن، علما أن لا جائزة منتظرة، ولا عقاب إن لم تفعلي؟ إنك لا تنتظرين شيئا، ولا تخشين شيئا، فلم هذا؟

لطالما استوضعت الذين يمنحون حبهم تدريجيا حسب المواقف التي يتعرضون لها مع الحبيب علما أنها الطريقة الدارجة، فترى الأصدقاء يُظهرون حبهم بكثرة الهدايا والصور التي تجمعهم، وترى الحبيبة تبجِّل حبيبها مع كل هدية منتظرة، وترى الطفل يعانق أمه كلما كافأته على امتيازه في دروسه، وفي كل مرة أرى هذا أتساءل والإجابة تكون قبل السؤال: لو أن الاصدقاء تفرقوا ذات يوم، أسيبقى هذا الحب؟ لو أن الحبيب لم يعد قادرا على تلبية رغبة الحبيبة في الهدايا المنتظرة، أسيبقى هذا التبجيل؟ ولو أن الأم لا تكافئ ابنها، أسيبقى مجتهدا؟

كنت-وما زلت، وأدعو من الله أن أبقى- من الذين يمنحون الحب دفعة واحدة، يبدأ عظيما وينتهي كذلك، فلا أعترف بمنحنيات العلاقة الطردية بين متغيرين، هي قيمة ثابتة على مر الزمان، وربما هذا ما ساعدني في محاولتي في فهم هذه الآية، فقد أكدت لي أني مؤمنة علما أني لا اصوم أيام الاثنين والخميس أو أصلي النوافل أو أي مظهر آخر يزيد قربا من الحبيب، ولا أقصد هنا أني لا أريد فعل هذا، أو أني أُجرّح بمن يفعلون هذا، هي أمور عظيمة، وطرق كثيرة للوصول إلى الله، وأرجو أن أكون على إحدى الطرق.

أتذكر حينما أخبرتنا معلمة التربية الإسلامية ذات يوم محاولة إقناع فتاة بالصلاة قائلة: فلتبدأ عادة، ثم فلتكن عبادة. كان هذا ردها عندما بررت الفتاة تركها للصلاة بأن الكثير يصلون كواجب ديني، دون الاستشعار بهذا الركن العظيم في إسلامنا. كان رد المعلمة كافيا ليلزم الفتاة السكوت، كافيا ليجعلها تبدأ الصلاة عبادة منذ البداية.

لو أن هؤلاء الذين يقومون بالعبادات كواجب ديني أحبوا الله، أي أنهم صلوا وصاموا وتصدقوا حبا لا خوفا ولا رجاء ولا تخلصا من الواجبات، أوجدنا في الظلمة عكس هذا؟  لو أننا نعود بالطريق العكسي، أي نبدأ بحب الله: فمن يحب يتقرب، ومن يتقرب يتعرف، ومن يتعرف يخاف، ومن يخاف يتقي، والعاقبة للمتقين.

لو أني نشأت على أننا نصوم ونصلي ونقرأ القرآن حبا خالصا لله، لا خوفا من عذاب أو طلب رحمة، لربما اختصرت سنينا كثيرة قبل البدء بهذه المحاولة. ولهذا كان لزاما على أن أنشر هذا، عل أحدهم في بلد بعيد أحب أن يعلم ابنه البكر حب الله، لأن هذا الحب كفيل بكل الدروس الأخرى التي ستطلب عمرا لتعليمها علما أن نتائجها غير ثابتة، أما الحب فوحده من يدوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.