شعار قسم مدونات

فقه العبودية

blogs - رجل مقيدة
في غمرة الاستضعاف، وعلى عتبات النكبات، تعالت الأصوات الداعية لـ "فقه العبودية" ! يمكننا القول بإيجاز أن هذا الفقه يقوم على التمسك بنصوص شرعية ظنية الثبوت ظنية الدلالة، تقعِّد وتقنِّن للعبودية: أسبابها، أركانها، واجباتها وسننها.. والترغيب بها كفضيلة ترفع من شأن صاحبها المطيع لـ "ولي الأمر"!

إنها الأصوات ذاتها التي تعالت على شاشات مصر تنادي بفضائل العبودية لسلطة الإنقلاب! إنها نفسها التي تهافتت تحث الأحرار على تقديم مراسم الطاعة المستحقة لخليفة حفتر! وهي نفسها التي ما فتأت تجر الناس بالسلاسل للسجود للمحتل الأمريكي في العراق دون خجل ولا وجل!

(إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت!)، فالحياء ضابط لإيقاع الإنسان على عتبة مسرح الحياة.. فإذا غاب صارت الثوابت عرضة للبيع في سوق السياسة الدولية المبتذلة! "فقه العبودية" فقه (وإن جلد ظهرك وأخذ مالك)، متمسكاً بهذا الأثر الظني الثبوت، متعمداً تفويت مقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والمال والعرض والأرض! وهو ليس فقه الأمة التي قالت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : "والله لنقوّم اعوجاجك بسيوفنا"! 

لكنه التدليس الممدوح في قاموس ولاة الجور، مفتاح السخاء على كهنة القصور التي عمَروها بأجندات من الشرق أو الغرب: بانقلاب أو احتلال أو توريث أو تزوير! يحضرني هنا قول الإمام السفاريني -رحمه الله- : العلم كالسيف إن أعطيته لتقيّ قاتل به في سبيل الله، وإن ألقيته لشقيّ قطع به الطريق وأضر عباد الله!

الدين الذي في صدورنا لا تصرعه الجراحات، بل يقبل التحدي فيزيده صلابة وثباتاً! هكذا نكمل المسير، في الدرب الذي اخترناه أحراراً وإن حالت دوننا السجون ونوائب الحكام! هم وضعونا في إناء، ثم قالوا لنا (تأقلم).. ونحن لسنا بماء، نحن من طين السماء، وغداً يضيق بنا الإناء فيتحطم..

قال الإمام السفاريني -رحمه الله- : العلم كالسيف إن أعطيته لتقيّ قاتل به في سبيل الله، وإن ألقيته لشقيّ قطع به الطريق وأضر عباد الله!

هتاف من قعر لبنان حتى ليبيا مروراً بمصر ليعود إلى الشام بعد أن يعرّج على جزيرة العرب وبلاد الرافدين، لا تحول دونه الحوائل ولا تمنعه الحواجز، "ربِّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكُون ظَهيراً للمُجرِمين"والجهل فيهم سمته غريبة، إذ يسمونه بـ (العقلانية)، والحقيقة أنها نفسَ تهوى فتطغى وتريد من العقل أن يسوّغ لها ما تريد، فتُخرج هواها باسم (العقل) في صورة (فكر).. 

أيسفك الدم باسم الفكر؟ أم الممانعة؟ أم الخلافة؟ لا فرق فهو يسفك هنا وهنا وهناك! وإنها لعبودية! عبودية للشعارات البراقة، والخطابات الرنانة، والدعاية الإعلامية التي تصوّر الجاني بصورة الضحية، تسندها فتاوى وظيفية!

ورحم الله الشيخ العلامة مصطفى صبري إذ يقول: "ليست من وظيفة العلماء محاباة العامة، ومجاراة الدهماء، بل وظيفتهم إطلاع الناس على حقائق الأمور"، والتاريخ لا يرحم خائناً كائناً من كان، ها هو عمر المختار رمز يشاد به في كل بيت وشارع ومدينة، كان فقهاء التسوّل يتهمونه بالخيانة فهل نسيهم التاريخ؟

نعم، قد استشرت العبودية لا بفعل دهاء الولاة وحنكتهم، بل هو من عند أنفسكم، إذ العبودية لا تجد مستقرها ومستودعها إلا في النفوس الضعيفة التي وطّنت نفسها عليها وذلّلت لها السبل! لكن لا عليك، فأنا أرى يد الله الناصرة، وإن رأى البعض يد الحكام الفاجرة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.