شعار قسم مدونات

اليوم أحدثكم عن اللاشيء

blogs - لا شيء
إن الكتابة في اللاشيء ممتعة وجميلة وتجعلنا نشعر بلا شيء وأن لا شيء يجعلنا نريد شيئا، ومع هذا اللاشيء الجميل الرائع الذي نكتبه ونقرأه كل يوم ونشاهده في شاشات بيوتنا ونسمعه في إذاعاتنا المحلية ويدرس في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يجعلنا نشعر بأننا لاشيء ولن نكون شيئا لا قريبا ولا في المستقبل ولا حاضرا، لذلك تجد الأجيال المتعاقبة ليس في حياتها شيء ولا تشعر بشيء تجاه أوطانها ولا تجاه أمتها، وأن القلب والعقل لم يجد شيئا من الأشياء التي يجب أن تكون في عقل وقلب كل عربي وهي التي تجعل منه مواطنا صالحا ومحبا لوطنه وأمته.

الحقيقة أن هذه الأشياء التي تدور حولنا وتسير حياتنا في العالم العربي، وخاصة العسكري الديكتاتوري، ومنها الإعلام والحكومات والأنظمة والمسؤوليين وصناع القرار، وكل من بيده شيء من قوة أو مسؤولية، هم يقودوننا نحو اللاشيء، وأن الشيء الوحيد الذي فعلوه هو جعل هذه الأمم لاشيء أمام الأمم الأخرى.
 
وبما أنك تجد اللاشيء متفشيا في كل مفاصل الدولة العربية والحكومة والمؤسسات التابعة لها وغير التابعة لها كذلك، بحيث أن المواطنين يجيبون في كل دائرة من الدوائر بلا وبلاشيء، ولا تعلم بعد ذلك شيئا، خاصة وأن الفساد يعم القطاعات الخاصة والعامة بشكل كبير ومفرط في الدول التي تحكمها العساكر والأجندات الأجنبية.
 

مظاهرات واعتصامات وشباب بالآلاف في حفرة الفقر والبطالة والموت البطيء جراء الاحتقار الحكومي وسرقة مقدرات الشعوب من النفط والغاز وإعطائه للسيد الأبيض.

ما يفعله إعلام الدول العربية الديكتاتوريين العسكرية والديكتاتورية المزخرفة بديمقراطيات خاوية أو حرية مريضة، أنه في كل لحظة تفتح فيه التلفاز أو الراديو أو الصحف تأكد أنهم سيملؤون عقلك بلاشيء ومن لاشيء، وستجد أنك أصبت بمرض اسمه اللاشيء من جراء إقحام معلومات مريضة ومقالات ظاهرها العلم وباطنها اللاشيء، وأشياء لا تمت للواقع بصلة.
 
لم يبق للمواطن المسكين والعربي المظلوم شيء ولا علم بشيء ولا معرفة بشيء، خاصة أن موجات ما تحت المعرفة والموجات السوداء القاتمة من الجهل الموجهة ضد هذه الأوطان تجعل من المواطنين لاشيء عند الدولة، خاصة كما رأينا في سيناء من قتل على طريقة العراب وسكافيس ومافيا الياكوزا، أو كما في اليمن السعيد على طريقة عصابات كوبا وأميركا اللاتينية، ولا ننسى أيضا عصابة السيسي التي جعلت الوطن عبارة عن مزرعة للجيش ومكانا للترويح والتدريب على القتال، بعد أن أصبحت عصابات من الجيش تتسلى بقتل المواطنين العزل، وهذا أيضا نتاج اللاشيء الذي عاش عليه الجنود، فليس لهم أي علاقة بالوطن ولا بالأمة، وولاءهم الوحيد هو لمن يحكم الجيش، ولو حارب الوطن ولو كان على حساب أبناء جنسه.

وناهيك عن ليبيا وحفتر أيضا جمع مجموعة من الليبيين الذين تشبعوا باللاشيء وأصبحوا يقاتلون أبناء وطنهم من أجل لاشيء طبعا، وأن الشيء الوحيد الذي يجمعونه هو المجد لغيرهم وملء جيوب غيرهم بالنفط والغاز والمال، وأن ربحهم حقيقة لاشيء، وأن لاشيء لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد رأينا صورهم وهم يقتلون الناس الأبرياء وتصفية الخصوم في الشوارع، وإخراج الجثث من القبور والتمثيل بها. عصابات في الأوطان لا يؤمنون بشيء من القيم لأن عقولهم ليس فيها شيء، ولا تعمل بشيء سوى أوامر الجلادين.

حرضوا الناس على المنتخبين وحرضوا القريب والبعيد والعدو والصديق على من طلب حقه وأراد أن يرفع صوته، ويشبع في وطن جاع فيه الفقراء والمساكين.

وكذلك تونس حقيقة، تبث في إعلامها اللاشيء، والشيء الوحيد الذي تراه فيها هو اللاشيء، ومجموعة من الأشياء تظن بها أن الحياة في أوج ازدهارها، وأن الوطن على ضفاف الدول المتقدمة لكنه في الحقيقة في منتجع اللاشيء، وعلى شاطئ الكذب والتلاعب بعقول الناس، مظاهرات واعتصامات وشباب بالآلاف في حفرة الفقر والبطالة والموت البطيء جراء الاحتقار الحكومي وسرقة مقدرات الشعوب من النفط والغاز وإعطائه للسيد الأبيض.

ثم يأتي دور المثقفين والفنانين الفاسدين وعلاقتهم بالحريات والديمقراطية في بلدان الديكتاتورية، هي كعلاقة الشيء باللاشيء، فبعد أن ملؤوا الدنيا في أوطانهم عبر قنوات اللاشيء المرئية والمسموعة بشعارات الأوطان والحريات والتهليل للحكام والحكومات ورفع شعارات المقاومة ونبذ الخلافات، وتعدد الآراء، وأسمعونا أغانيهم وشاهدنا مسرحياتهم وأفلامهم البطولية عن المسكين والضعيف وعن الحرية المسلوبة والديمقراطية الغائبة، فاجؤونا بنصبهم العداء للثائرين والوطنيين وأهل الحرية ولزموا مكانهم في سفينة القمع بقيادة الفاسدين والجلادين بل وحرضوا الناس على المنتخبين وحرضوا القريب والبعيد والعدو والصديق على من طلب حقه وأراد أن يرفع صوته، ويشبع في وطن جاع فيه الفقراء والمساكين، وعاش فيه هؤلاء المثقفون يرتعون ويأكلون من خيراته على حساب الفقراء غير مكترثين بمآسيهم.

اللاشيء وما أدراك ما لاشيء؛ طريق المستبدين وغاية الطغاة وعشاق السادية، هكذا يريدون الشعوب أن تعيش في اللاشيء وتسمع اللاشيء وتنام وتصحو على اللاشيء، حتى لا يأتي يوم تطالب بشيء من حقوقها التي أعطاها الله والشريعة والقوانين السماوية والأرضية والأخلاقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.