شعار قسم مدونات

الحجاب في قفص الاتهام!

blogs- الحجاب

المتهم بريء حتى تثبت إدانته، على ما هو مقرر في العرف القانوني، ومشهور على نحو يتوجب معه التذكير به باستمرار، لتناقضه مع الواقع البغيض الذي يقضي بالإدانة لمجرد الاتهام، وعليه فالمتهم في قفص الإدانة وهو مازال بريئاً في مواجهة الاتهام! وكذا هو الحال مع الحجاب في هذه الأيام، وكأن ثقافة الإدانة أصبحت من القوة بمكان لتنسحب على المضمون انسحابها على المظهر، فكيف كان ذلك؟

بعيداً عما يُلحق بالحجاب إلحاقاً متكلفاً، ليحصره في مفهوم تغطية الشعر أو أغلبه على الأكثر، فتراها قد أخفت شعرها، وارتدت ذلك اللباس الضيق المثير البعيد كل البعد عن المعنى الحقيقي للحجاب من اللباس الساتر المحتشم، ليقف أمامها الناظر مدهوشاً ولسان حاله يقول: لعلها كشفت شعرها، وسترت تفاصيل جسدها ، لكفتنا وكفت حالها هذا الواقع المريض الذي يدين عرفاً فاسداً، اختزل مضمون الحجاب في أقل من بعض مظهره.. مجرد غطاء للشعر!.

مع التسليم بأهمية الحجاب في الإسلام، بل إنه مما اتفقت على معانيه من الاحتشام والستر الأديان السماوية مجتمعة، إلا أنه عبادة تؤدى لله سبحانه وتعالى امتثالاً للحكم الإلهي، وإيماناً بصلاح الفرد والمجتمع عند التزام تشريعه.

بعيداً عن هذا المظهر الملفت بانحرافه، والذي لا يختلف عليه اثنان أنه ليس له من الحجاب إلا سطوة مجتمع غرق في المسميات متناسياً معانيها ومضامينها.. يتمايز أمامنا واقعان متغايران للحجاب، يتفقان بينهما على معاني الستر والاحتشام، مهما تعددت الألوان والأشكال، فالحديث هنا تجاوز مظهر الحجاب وتعداه بقوة لمضمونه ودلالة وجوده!.

أما الواقع الأول: فنراه متمثلاً بفرض الحجاب على المرأة قسراً بحكم قانون الدولة، أو عرف الأسرة، أو المجتمع، على نحو إن لم تتجاوب فيه إلى الامتثال تحارب وتعاقب وتتهم في دينها وسمعتها ! فلا عبرة هنا في صلاتها وصيامها، ولا حتى بجميل أخلاقها، وعلمها وعملها، فالفيصل في الحكم عليها ينحصر في انصياعها وارتدائها لحجابها!.

ومع التسليم بأهمية الحجاب في الإسلام، بل إنه مما اتفقت على معانيه من الاحتشام والستر الأديان السماوية مجتمعة، إلا أنه عبادة تؤدى لله سبحانه وتعالى امتثالاً للحكم الإلهي، وإيماناً بصلاح الفرد والمجتمع عند التزام تشريعه.

فإن أهمل هذا الدافع الأساسي في تنشئة الجيل، ووكل الأمر إلى أسلوب القسر والإكراه، في عصر الانفتاح والمناداة بالحريات ، اختلطت الأوراق بين ما هو حق وتكليف يهدف إلى ضبط الأفراد والمجتمعات على نحو يسمو بها، وبين ما هو فاسد جاء متراكما من عادات باطلة وأعراف بالية أخذت سطوتها في المجتمع لتشرّع تحت مسمى الدين، وليس لها منه إلا الاسم!.

وتغدو المرأة في هذه الفوضى هدفاً سهلاً ، ولقمةً سائغةً لشعارات التمرد، ودعاوى التحرر ليصبح عندها الحجاب القسري، والذي أكرهت عليه بحكم القانون أو عرف المجتمع، متهماً بتقييد حريتها واندماجها، شأنه شأن سائر العادات والأعراف الظالمة لها.

ليصبح بطل الموقف دعاة تحرير المرأة وأدعياء الإصلاح، يطالبون بمراجعة التشريعات والقوانين المجحفة بحق المرأة، ومحاربة العادات والأعراف الفاسدة التي تقيد حقها وحريتها. هنا ،وإن اتفقنا معهم فيما يطالبون به على العموم ؛ إذ لا القانون يحمي المرأة من التحرش على سبيل المثال، ولا المجتمع يحفظ لها ذمتها المالية المستقلة من زوج متسلط أو أب ظالم، وخذ من هذه الأمثلة ما شئت على نحو يقرّ بواقع حقوقي متردي للمرأة في كثير من المجتمعات، يتطلب بالفعل جهود مكثفة للإصلاح والتعديل.

إلا أننا ومع كل ذلك لا نتفق معهم على خلط الأوراق بين الصالح والطالح؛ فليس الحجاب يا سيدتي هو المتهم هنا، بل هو المنطق المعوج في العناية بالمظهر، وتناسي وتغافل الجوهر، فمن ادعى حرصاً عليك وعناية بحقوقك لاستوى منه الأمر في جميع شأنك، ولم يخضع الحال عنده لانتقائية في حقوق المرأة وحريتها، يقر ما ناسبه منها، ويرفض ما سواه.

أما الواقع الثاني: والذي يناقض ظاهرياً الواقع الأول ، لكنه في الحقيقة يتفق معه في المضمون والدلالة؛ فكلاهما انتقائي في الحقوق والحريات، فهما وجهان لعملة واحدة.. كل على طريقته، والمؤدى نتيجة واحدة ؛ الإساءة للحجاب.

المتهم الحقيقي هي ثقافة المجتمع المغلوطة من حولها، لتتضاعف المسؤولية على عاتقها، إذ لم تغدو المسألة محصورة في دفاعها عن حقها في ارتداء حجاباً ترتضيه التزاماً وتكليفاً من الله سبحانه وتعالى، بل لا بد من دفع الأكاذيب والادعاءات الباطلة عن هذا المتهم البريء.. الحجاب.

ذلك الواقع نراه بكل وضوح في حال تلك المرأة التي أحبت حجابها واحتشامها، وانطلقت بسترها لتتعلم وتعمل وتشارك في الحياة كغيرها من النساء بهمة وفاعلية وإيجابية، فإذا بها تصطدم بواقع قاسٍ، يفرض عليها في ميدان التنافس في الفرص والامتيازات وبكل صراحة ووقاحة ألا تكون محجبة! هذا إن لم يلحقها الأذى اللفظي أو حتى الجسدي في بعض الحالات بسبب حجابها!.

فحجابها متهم عندهم بالرجعية والتخلف أحياناً، وبالتشدد ولعله الإرهاب أحياناً أخرى، ولا أبالغ إذ أقول أن هذا الواقع موجود في الغرب والشرق على السواء، إلا أنه حيث امتلكت المرأة الوعي الكافي، والقوة والجرأة اللازمة، دافعت عن حقها في التزام تعاليم دينها وارتدائها لحجابها مهما كلفها ذلك من عناء ومشقة، فقد أدركت باكراً أن حجابها بريء من أي تهمة حاولوا عبثاً إلحاقها به.

فالمتهم الحقيقي ثقافة المجتمع المغلوطة من حولها، لتتضاعف المسؤولية على عاتقها، إذ لم تغدو المسألة محصورة في دفاعها عن حقها في ارتداء حجاباً ترتضيه التزاماً وتكليفاً من الله سبحانه وتعالى، بل لا بد من دفع الأكاذيب والادعاءات الباطلة عن هذا المتهم البريء؛ الحجاب.

بل إن صمودها هنا يمثل امتيازاً مرشداً لكل امرأة قد تتيه في مجتمعات أخرى بين أدعياء التحرر، ودعاة التدين؛ لتقول لها بلسان حالها: قد التزمت حجابي طواعيةً راغبةً فيه غير مكرهة، ودافعت عنه بمقتضى حريتي لا ضدها، فهم المدانون في قفص الاتهام وليس حجابنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.