شعار قسم مدونات

الحب سلوك

blogs - love

على صفحة الحياة خُطّت روائع الحكم بأيدي هَرِمة، مرت عبر محطات العمر المختلفة، غادرت أوهاماً وأضغاث أحلام، ووقفت من جديد على أرض الواقع لتعايش كل ما فيه من معانٍ حقيقية، منها المؤلم حد الاختناق ومنها ما يبعثنا على السعادة المفرطة، لتدرك عند محطّة معينة أن لا وجود لـ "روميو وجولييت" بين قصص الحب التي شهدها التاريخ إلا ما ندر، وأن طعم الحياة ألذ إن عرفنا أن الحب أبعد من تلك المشاعر التي تتملّكنا، وتتحكّم بمسار انفعالاتنا سلباً وإيجاباً، وتعبث بمؤشر عواطفنا صعوداً وهبوطاً، وتنقلنا في لحظة من ذروة الفرح إلى دركات الحزن، الحبّ أكثر من مجرّد نبض قلب، فما عساه يكون ذلك الحب؟

تتحرك مشاعرهما لدى رؤية أحدهما الآخر كشريك المستقبل وقسمة العمر وشطره الآخر في الوجود، وتتسارع دقات القلب كلما اقتربا من قرار الارتباط المصيري في أجواءٍ من الاحتفاء العائلي والأُنس بقرب الأحباب، لحظات فردوسية عذبة يعيشانها في فترة عقد القران وأطراف الحياة الزوجية، وبعد مرور أشهرٍ معدودات، إن لم تكن أيام، ينكشف القناع الملائكي الجميل مُخَبّئاً خلفه إنسان حقيقي، بإيجابياته وعيوبه وطباعه السيئة ونظيرها الجيد.

الحب تحية دافئة في استفاقة صباح بارد، وفنجان قهوة تُحل عليه مشكلات الحياة المعقدة، وعناق حميم بعد تحقيق نجاح باهر، ووقفة صُلبة لدى كل خسارة أو إحباط.

قد تنشب على إثر الاكتشاف العظيم، خلافات تضع مصير الارتباط على المحك، إن لم يتم تتدارك هذه المرحلة بحكمة ورويّة، فسيهوي صرح الزواج عند أوّل رياحٍ عاتية، كما يحدث مع أكثر من 40 بالمئة من الزيجات التي تنتهي إلى الطلاق بعد أقل من سنة على الارتباط، وفقاً للعديد من الدراسات الاجتماعية، لكن إن احتوى أحدهما الآخر فسرعان ما تتحول المشاعر المتداخلة إلى حالة من النضوج لم يعد معها طعم الحب كالسابق.

لا تتوقف الحياة بمجرد استقرار وطأة العواطف وهدأة الشعور، بل تبدأ الآن مرحلة جديدة يتغيّر معها أسلوب التعبير عن الحب، فالحب الآن مختلف تماماً، وقد انتقل إلى مرفأ العطاء والاحترام المتبادل وتحمّلٍ مشترك لأعباء حياةٍ لا تخلو من عواصف هوجاء، تشعلها الحيرة والغيرة والشكّ والاستياء، تهبّ في لحظات غابرة ثم تذوي وتندثر كأنّ شيئاً لم يكن، الحبّ الآن سعادة تغمرنا كلما تحسّسنا نبض العلاقة بباقة ورد أو هديّة أو كلمات ودّ، بل يرتقي الحب إلى مدارج الامتياز ويبدو الرباط وثيقاً أكثر في كل مرة يتجاوزان فيها محنة أو يقفلان باب تجربة مؤلمة.

الحب الآن تحية دافئة في استفاقة صباح بارد، وفنجان قهوة تُحل عليه مشكلات الحياة المعقدة، وعناق حميم بعد تحقيق نجاح باهر، ووقفة صُلبة لدى كل خسارة أو إحباط، الحب الآن ابتسامة مستسلمة لهفوة شريك الحياة وطبعه السيء، ودمعة حارقة على ألم أو مرض أو مصيبة ألمت به، الحب الآن قوي متين، جميل بصورة مختلفة عن السابق، وثيق الرباط، عميق الأوصار، الحب ود وسلوك، وتراكم لذكريات عميقة الخلود في الذاكرة تشفع لشريك الحياة في كل مرة يرتكب فيها خطأ ما، وتلازمه طالما أنه يتنفّس أكسجين الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.