هو عبارة عن آلة تجارية صنعت لغايات معينة وما إن ينتهي العمل بها ستصبح في طي النسيان، وستظهر آلة تجارية أخرى تحل محلها، ولغايات أخرى هكذا أرى عالم مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يحلو لي أن أسميها "مواقع الفوضى الاجتماعية" فما يحدث على الفيس بوك لا يتعدى الهرج والمرج وإن اختلفت سياقات العمل فيها لكنها تلتقي في حلبة الخيال والأحلام.
لا أنكر أنني لا أتعامل مع الفيس بوك، فمهنتي كشاعر وكاتب تقتضي أن أتعامل معه لا لكي أتواصل مع بني البشر، ولا لكي أحظى بالمزيد من الصداقات المزيفة، ولا لكوني من محبي التصعلك والتعربد بين أروقته، أنا استعمله لغاية معينة وهدف معين، ألا وهو أن أشارك على صفحاته ما ينشر لي من قصائد وقصص قصيرة ومقالات على صفحات المواقع والصحف العراقية والعربية الورقية والالكترونية.
الفيس بوك هو كهف مظلم مليء بالأفاعي والثعابين البشرية، التي تحاول أن تلدغ الصالحين فيه، لذا يحلو لي أن أسمي أحدهما حساب المثقفين والآخر حساب الثعابين، لكن أيهما هذا وأيهما ذاك.. الجواب لا يعرفه سوى كاتب المقال. |
الهدف واضح.. ألا وهو الشهرة، وهذا جائز في سياق العملية الإبداعية باعتباري مبدعا، هنا يحق لي أن انشر ما ينشر لي من إبداعات على صفحاته وهذه رسالة مفادها أنني عنصر فعال يكافح ويعمل ويناضل بقلمه في سبيل إعلاء شأن الثقافة، والفكر، والأدب، والحصول على المزيد من الشهرة من المحيط إلى الخليج، بل الأبحار أبعد من هذا، وأغزو الغرب بإبداعاتي الفكرية والأدبية لعل وعسى أن أحصل على النوبل ذات يوم.
وهذا أيضا ضمن السياق المعمول عليه من قبل الشعراء والكتاب على مر الزمن، فكلهم ناضلوا وكافحوا من أجل الشهرة والوصول إلى أفق المجد، لذا أتعامل مع الفيس بوك بهذه الطريقة التي أعتبره خط الهجوم الثاني لإبراز إبداعاتي من بعد المواقع والصحف الورقية والإلكترونية التي أعتبرها الجبهة الأمامية والخط الأول لهجماتي مع الحروف والكلمات في عالم الشعر والقصة القصيرة والفكر والفلسفة.
لكن ما يضحكني هو ما يدور على الحسابين الذين أملكهما على الفيس بوك، اللذان يتعرضان إلى عمليات قرصنة بصورة شبه يومية، وما أكثرها من عمليات قرصنة كادت أن تُجهز على كلا الحسابين، لكنها باءت بالفشل الذريع، لذا حاولت أن أضع حدودا بين كلا الحسابين، فأحدهما مدرع ويخلو من الفضائيين والفضوليين والمزعجين والمعجبين والمعجبات، أي انه خالي تماما من أي رواسب وشوائب، فهنالك حزام أمني يحرسه، ولا يدخله سوى الأصدقاء المقربين مني ونخبة من الشعراء والكتاب والأقارب الذين تربطني بهم علاقات الدم والوفاء، وهذه هي النسبة الأكثر تواجدا وحضورا فيه.
حسابي الآخر جعلته مفتوحا، أي يمكن لأي شخص أن يرسل طلب صداقة لي وأيضا طلب مراسلة، والذي أُقفل تماما بعد أن أكمل التعبئة بخمسة آلاف صديق، منهم الفضائي، والمزعج، والفضولي، والمعجب، والمعجبة، والحائر، والحائرة، ما خفي كان أعظم، ورسائلهم تعلن عن حضورها من يوم دخلت هذا الحساب، فترى أحدهم يقول مرحبا والآخر السلام عليكم والآخر هلا والله، والأخرى كيفك شو الأخبار وهذه كتبت بالانكليزي، وتلك بالفرنسي، مع الصور والرموز التعبيرية كالأزهار والقلوب.
باختصار إن حسابي هذا، ما هو إلا فسحة لي للضحك والتفكير وقراءة الوجوه والأفكار، وما خلف السطور، لذا لا أرد على رسائلهم بل اكتفي بالنظر إليها وتحديدها كمقروء، لأنني على قناعة تامة بأن هذا العالم مليء بالأشرار، وأكثرهم يسكن في أروقة الفيس بوك، بين باحث عن المال، والفضائح، والمشاكل، واستغلال الآخرين لغايات وأهداف معينة، لذا أتعامل مع هذا الحساب بحذر وذكاء شديدين، لكن في ذات الجانب أشارك فيه كتاباتي وانتاجي لعل الشهرة تجتاح أروقة قلمي بكل لغات العالم.
لذا بعد أن أنتهي من عملي وبعد أن أكمل خربشاتي فوق الورق الأبيض برفقة القلم من شعر وقصة قصيرة ومقالة، وبعد أن آخذ حاجتي الفكرية من صفحات كتاب ما، مركون على إحدى رفوف مكتبتي يأبى الانتهاء لا لأنني لا أنهيه بل لأنني أعيد قراءته مرة ومرتين وثلاث كونه أعجبني وأثار اهتمامي، أقوم بإهدار ما تبقى من وقت مع الفيس بوك.
لأنه كائن جامد، لا مشاعر ولا أحاسيس ولا قيمة للوقت فيه، وخارج عن قواعد الحضارة والإنسانية، فهو هضبة قاحلة، لا تصلح للعيش عليها وكهف مظلم مليء بالأفاعي والثعابين البشرية، التي تحاول أن تلدغ الصالحين فيه، الذين يستخدمونه كوسيلة ثانوية للترويج لإبداعاتهم أو منتجاتهم أو أفكارهم أو أعمالهم، لذا يحلو لي أن أسمي أحدهما حساب المثقفين والآخر حساب الثعابين، لكن أيهما هذا وأيهما ذاك.. الجواب لا يعرفه سوى كاتب المقال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.