شعار قسم مدونات

قِصة قَبلَ النوم

blogs-wolfe
يحكَى أنَّ ذِئبَاً جَلسَ تَحتَ شَجَرةِ تينٍ يَرقبُ مُرورَ قَطيعٍ مِن الخِرافِ حَتى يَملأ مَعداتَ أبنائهِ الفارِغَةَ بإحداها، ظَلَّ يَرقبُ سَاعاتٍ حَتى غَلبَهُ الُنعاسُ، ومرَّ القَطيعُ وهُوَ في سُبات. ولأنَّ القدرَ جَمِيلٌ، صَادَ الذِئبُ غَزَالاً فِي المَنام . أفَاقَ الذِئبُ شَبعاناً وَمَضَى يُتَمتِمُ: (غَزالٌ فِي المَنامِ خَيرٌ مِن قَطِيعِ خِرافٍ مرَّ فِي سُكات)!


عَادَ الذِئبُ لِوَكرِهِ وصِغَارُهُ تَنتَظِرُ شَيئاً تَقتَات. أحضَرَ (أبو العِيالِ) قِدراً وَأشعَلَ النَّارَ مِن تَحتهِ وَوضَعَ بَعضاً مِن عظام جَديٍ صَغيرٍ (كَانَ قَد اصطَادَهُ قَبلَ مدّةٍ ولَم يَكفِي العَائَلةَ سَاعَةًً واحدةً)، وصبَّ المَاءَ فَوقَها وبَدأ يُحرَّكُ مَا في القدرِ بِشكلٍ حَلزونيٍّ (فَهِيَ طَريقَةٌ كَانَ يَستخدِمُها أبَاهُ حِينَ يَكونُ مَكسورَ الخَاطرِ يائِساً مِن قلَّة الحِيلةِ، حَتَّى يَنشُرَ النُعَاسَ لأبنائِه ليَنامُوا دُونَ حِراك). أمَرهُم بالالتفافِ حَولَه لِيَقُصَّ عَليهِم يَومَه الشَّاق.

(أخِبرنَا يَا أبِي مَاذا حَدثَ مَعكَ اليَومَ فَنحنُ نَعشقُ قِصَصَكَ الَّتي تَرويهَا لَنا كلَّ يوم حينَ تَعود) قالها أصغرهم. بَدأ الذِئبُ حَديثَهُ بِنفسٍ حارٍ خَرجَ مِن أعمَاقِ صَدرِهِ وقَالَ جُملتَهُ الشَهيرةَ الَّتي يَفتتحُ بِها رِوَاياتهِ، يَا أبنائِي الأعزّاءَ ويَا أغلَى مُمتَلكاتِي:  خَرجتُ فِي الصَباحِ وَأنتُم نِيام، ومَا إن أشرَقت الشَمسُ وإذا بِقطيعٍ مِن الخِرافِ السَمِينَةِ يَمُرُّ من أمَامِي، وبَعدَ مَعرَكةٍ شَرسَةً مَعَ الكِلابِ الَّتي تَحرُسُها، اصطَدُّت مِن الخَرافِ أسمَنهَا حَتَّى أشبِعَ جُوعَكُم وأعَوضَكُم قَسَاوةَ الأيامِ المَاضية. 

قصةٌ مِن الوَاقع فِي غَابةٍ شَرقيةٍ في هَذا العَالمِ، بَطلُها ذِئبٌ يَرعَى صِغاراً يَروي لَهم قصصاً (واقعيةً) مِن نَسجِ خَيالهِ يَروي بَها ظمأهم ويُخفّف عَنهم جُوعَهم، عَاشَ مِن أجلِهم وقاتلَ لأجلِهم وقضى نَحبهُ دِفاعاً عَنهم.

وأنَا فِي طَريقِ عَودَتي للبيتِ سَمعتُ أنيناً خلف تلَّة الزعفَرانِ الَّتي تَمرحُونَ فِيها دائماً، وإذا بذئبٍ صَغيرٍ تائهٍ يَبكِي مِن شدَّةِ الجُوعِ، فقسمتُ لهُ جُزأ مِنَ الخَروفِ يَسدُّ به جُوعَهُ ويَخفِّ بِه أنينَه، (كَم أنتَ حَنونٌ يَا أبي ) قالً أوسًطهُم. بعدمَا أنهَيتُ طَريقَ نَهرِ الأميراتِ الّذي تَشربونَ مِنهُ كلّ يَومٍ، قَابلتُ صِغارَ حِكيمِ الذِئابِ يمشونَ مَع أمّهم عِندَ آخرِ النَهر.

(قَضى حَكيمُ الذِئابِ مَصرَعه وَهوَ يُدافعُ عَن صِغارِه حِينَ هَجمت عَليهِ مَجموعَةٌ مِن الذِئابِ الجَائعةِ طَالبَةً الطَعَامَ ومُحَاولةً أكلَ صِغَارِهِ، إلاّ أنّهُ دَافَعَ بِشراسةٍ وَقَضى نَحبَهُ تَحتَ كَثرتِهم وَشدّة شَراسَتِهم قَبلَ أن يَأتي بَعضُ الأصدِقاءِ ويَحمُوا صغاره)، فَتذكرتُ صَنيعاً كَانَ قَد فَعلهُ حَكيمُ الذئابِ مَعي فِي صِغري، وقمتُ بإعطَاءِ صِغَارهِ نِصفَ ما تبقّى مِن الخَروف. صَاح أكبرُهم :(أنت كريمٌ جداً يا أبي ) وعَلاماتُ الفَخرِ تَعلو مِن رَأسِهِ وصَوتُ الجُوعِ يَخرجُ مِن بَطنِه.

أكمَل الذِئب رِوايتَه قائلاً: مَضيتُ في طَريقي مُسرعاً (حَيث أنّ الحِمل قًد صَغُر كثيراً وأصَبحت الحَركةُ أسرع) أجرُّ مَا تَبقى مِن الخَروف إليكُم وقَبل وصولِي بِقليلٍ شَاهدتُ العجب. أسدٌ يَحمِل في فَمهِ خَروفاً وعلى ظَهرهِ غَزالاً ويَمشي مُختالاً لا يَرى بِعينهِ أحداً كان. حَاولتُ بِكلّ ما لديَّ مِن مَكرٍ أن آخذَ قِطعةً مِنهُ دُونَ جدوى، بَل قامَ بأكل ما تبقى مَعي مِن الخروفِ عَديمِ المَلامِحِ أمَامَ ناظريّ وأنا أتوَسلّ إليهِ، لكن لا رحمةً ولا شُكورا. 

رَفعَ الأبُ رأسهُ مُلتفتاً لأبنائهِ وإذا هُم في سُباتٍ عَميق، صَوتُ بُطونِهم أعلَى مِن صَوتِ شَخيرِهم. أطفأ الذئِبُ النّارَ وأخرَج القِدر بهدوءٍ و اذا بصوتِ نَفيرٍ بالخارج، بَعدَ التَحرّي تَبينَ أنّ الذِئابَ الشَرسةَ الجَائعةَ عَادت مِن جَديد، دَافعَ الأبُ بِكلّ مَا تَبقى لَديهِ مِن قُوةٍ عَن بَيتتهِ ومَوطِنه وَأثمنَ مُمتلكاتِه، لكنّه قَضى تَحتَ شَراسَةِ الجَائعينَ وكثرتِهم.

قصةٌ مِن الوَاقع فِي غَابةٍ شَرقيةٍ في هَذا العَالمِ، بَطلُها ذِئبٌ يَرعَى صِغاراً يَروي لَهم قصصاً (واقعيةً) مِن نَسجِ خَيالهِ يَروي بَها ظمأهم ويُخفّف عَنهم جُوعَهم، عَاشَ مِن أجلِهم وقاتلَ لأجلِهم وقضى نَحبهُ دِفاعاً عَنهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.