شعار قسم مدونات

بعض من حياة

مدونات، الحياة

الحياة هبة الرحمن لنا وفرصة تتجدد كل يوم للسعي نحو الرقي كل ثانية منها عبارة عن هدية يمكنك تقديرها فتسعد  أو لعنها فتضيق نفسك أكثر، لكننا عندما نضع نمط عيش الأشخاص تحت المجهر ونقرب الصورة أكثر نجد أنها لوحة باهتة قديمة تفتقر للروح وللحياة أيضا  تسير في منحى واحد فقط وكأنها نسخ مكررة أو دائرة مغلقة، تبدأ بالوجود الطفولة ثم الدراسة فالشهادة ثم العمل يليه الزواج والانجاب ثم الانصهار في تربية الأبناء، حيث تتم برمجتهم بغرس اعتقادات وخلفيات متوارثة عبر الأجيال دون أدنى تمحيص أو تدبر.

فيكبر هؤلاء وتزداد المعاناة والغوص في مشاكلهم أكثر وعند هاته النقطة المفصلية قد تطفو الكثير من العقد النفسية الدفينة للآباء. وتنجلي أكثر الجرائم بشاعة على وجه الارض عندما يغزو مبدأ السيطرة والسيادة على تلك العلاقة، حيث يتم التطاول على الاله واستغلال الدين لفرض رغبات الآباء. فيبدا صراع الأجيال وقتال من أجل الظفر بالحرية حرية العيش والتفكير حرية الاختيار واتخاذ القرارات دون تدخل من أحد وقد ينتهي هذا النزال في غالب الأحيان بخسائر نفسية حادة قد تلازم الضحية بقية حياته أن لم يستفق هذا الأخير من غيبوبته ويتوقف عن لعب دور المغلوب على أمره أو ذاك المضحي الذي يأثر بما لا يأثر فيه.

فكر ولو لمرة ماذا تفعله هنا، ما دورك ما هي رسالتك، ما الذي تقدمه لهذا العالم، ما البصمة التي تريد تركها بعد مماتك؟ كيف تحصر الحياة بأسرها ووسعها في أكل وشرب وعمل في سيارات وأموال..

هنا قد ينتهي المشهد وتسدل الستارة لا يهم الخوض في المرحلة الموالية لأنها غالبا ما تكون مجرد انتظار لنقطة النهاية. الموت.. هكذا يكون الشاب العربي قد استوفى جميع شروط الحياة الاجتماعية المتعارف عليها.. فلان درس ليعمل وعمل ليجني المال وضمن المال ليتزوج وتزوج لينجب وأنجب ليربي وعاش ليموت بكل بساطة، ترى أين فلان من حياته! حياة رتيبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى صراعات متعددة لا متناهية على طول المشوار..

 هل كان السيناريو واضحا بما فيه الكفاية ليجعلك تطرح على نفسك ذاك السؤال الفلسفي العميق من أكون؟! هل ما نعيشه حقا يسمى حياة هل يعقل أن تضيع جل حياتك وأنت مقيد في نمط حياة روتيني مكرر ملايين المرات، كيف يمضي بك العمر في وضيفة لا تريدها ولا تجد نفسك فيها هل يعقل أن تضيع أجمل سنوات عمرك مع شريك لا تتقبله تستيقظ كل يوم تنظر إلى وجهه وتتمنى لو أن الزمن يعود بك للوراء لتغير اختيارك.

هل يعقل أن تصبري على معاملة العنف والذل من زوج لا يقدر قيمتك خوفا من رفض العائلة والمجتمع كيف  تجبر نفسك على أشياء أنت لا تريدها فقط لتسعد الاخرين وتسمع مجاملات مزيفة عابرة، هل هذا حقا أنت هل هذه الحياة التي ترضيك  هل تنام كل ليلة وأنت مفعم بالحماس تنتظر بزوغ فجر جديد لتستيقظ في اليوم الموالي فتكمل مشوارك والشغف يملأ قلبك. إذا كان الجواب لا فأنت حتما ميت حضرت مراسيم دفنك منذ سنوات مضت ولازلت تتوهم أنك على قيد الحياة، قد يكون جسدك حي يرزق، لكن روحك وقيمتك تائهة بين كل الماديات المحيطة بك روحك تستنجد بك وتطلب منك البحث عنها لتتعرف عليها.

أنت تبذل الكثير من الجهد للوصول لنتائج مختلفة في شتى ميادين حياتك لكنك لا تبحث عنك مطلقا لا تتعمق في داخلك في نفسك الحقيقية وهي أولى بتلك الجهود، كل الأجوبة موجودة عندك وتأبى أن تراها فضلا توقف خذ نفسا عميقا فكر جيدا وارسم طريقا جديدا اعرف وجهتك بدلا من الهرولة وراء الأشياء والأخرين.. فكر ولو لمرة ماذا تفعله هنا، ما دورك ما هي رسالتك، ما الذي تقدمه لهذا العالم، ما البصمة التي تريد تركها بعد مماتك؟ كيف تحصر الحياة بأسرها ووسعها في أكل وشرب وعمل في سيارات وأموال..هي حياة عابرة ولا تعاش إلا مرة واحدة لذا هاجر من بعض حياة إلى كل حياتك..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.