شعار قسم مدونات

الأسرة هي الأساس

blogs- الأسرة
الإلحاد، العادة السرية، المشاكل العاطفية، عقوق الوالدين، وغيرها من تلك المشاكل الحياتية التي تظهر لمن يخالط الناس ويقاربهم، بل حتى ظهر الأمر جليا عبر حسابات المستفتيين والاستشاريين عبر موقع أسك الذي أتاح للشباب خاصية أن يظهروا بشخصيات مجهولة فكشفوا فيه عن بواطنهم وأباحوا عما في داخلهم. ولعل من يناقشني يوما يجدني أعول على الأسرة كثيرا، وأجعل حل كثير من المشاكل سبب أساسي فيها تلك الأسرة الصغيرة قبل أي شيء آخر.

القصة عندي بدأت من ذلك الشاب الذي حصل على البكالوريوس أو الليسانس ليلتحق بإحدى شركات الخليج في منصب مرموق حتى إذا قارب الثلاثين أصر الوسط المحيط به -ووالدته خاصة- أن يتزوج مسرعا لكي ترى حفيدها يلهو حولها، وتبدأ الدائرة بزيارات لرؤية فتيات رشحتهم له أمه أو حتى معارفه ليصل الأمر لتلك الصور المنظورة على الشاشات والسينما.


شياطين الإنس وشياطين الجن كليهما يتنافسون على تحويل تلك البذرة إلى شجرة شوك لا كما أُريد لها أن تكون نبتة خير ونفع، إن بيتا مثل هذا لا يخرج رجلا يستطيع أن يقوم على نفسه، ويعول أهله، وينصر دينه، ويعلي أمر مجتمعه.

وتتم الخطبة سريعا قبل أن تنتهي إجازته على أمل التواصل عبر الهاتف من فترة لأخرى، فلما كانت الإجازة التالية تم الزواج، وبنى بها ثم يتركها بعد شهر واحد ومازالت عروسا ليرجع لعمله، لا يرجع إليها آخر اليوم ليسكن إليها، إنما آخر العام، يجلس معها شهرا ثم يعاود الكرة. لا تسأل عن الأهل فهم منهمكون في تلك العيشة الهنية التي تنعم بها ابنتهم من الأموال والملابس والحرية المطلقة، ونسوا ذلك الجانب العاطفي الروحي لتلك الفتاة التي تنسى أنها زوجة إلا شهرا من العام.

أجبني -بالله- أمثل ذلك البيت يستطيع أن ينشأ فيه طفل سوي يعرف أن سنده أبوه إن أخطأ قومه، وإن احتاجه يوما وجده يأخذ بيده، لكنه يجد تلك المرأة فقط تقوم عليه حتى إن شب الولد ودخل المدرسة بدأت في الابتعاد شيئا فشيئا، تنشغل عنه بنفسها وزينتها، لا يهمها إلا أكله وشربه ودرجات امتحانه لتنافس به في جلسات صويحباتها بعد النميمة والضحك.

لعلك تظن أني شردت بعيدا عن مشاكلنا الشبابية المذكورة آنفا، كلا يا صديقي، بل تلك بداية الشرارة ومنطلق السباق، سباق الشياطين حول ذاك الفتى، شياطين الإنس وشياطين الجن كليهما يتنافسون على تحويل تلك البذرة إلى شجرة شوك لا كما أُريد لها أن تكون نبتة خير ونفع، إن بيتا مثل هذا لا يخرج رجلا يستطيع أن يقوم على نفسه، ويعول أهله، وينصر دينه، ويعلي أمر مجتمعه.

تلك قصة من قصص تبنى عليها بيوت خاوية كبيوت العنكبوت، تنتظر نسمة ريح فبدل أن ترطب الجو تأخذ الأخضر وتلقيه في البحر، وتهدم تلك الأنسجة التي على الجدران ليظهر للناس هوانها. ولعل الناس يتعظون، بل يتكرر السيناريو مع اختلاف أبطال القصة أملا في شيء واحد: الارتياح المادي، دون أي نظرة للعاطفة.

إن أجيالا كاملة لم تُربى على أنها ستكون غدا مربية لجيل بعدها، ولد في عين والده شاب طائش لا مستقبل له، وفتاة في عين أهلها المدللة الفاتنة لعيون الشباب، ويأتي غدا ويتزوج الشاب الطائش بالفتاة الفاتنة، ويُحسب على المجتمع بيت، ولكن الناظر داخله، والمعايش لحال أهله يعلم أن البيت وإن ظهر قائما فإنما أرادت الفتاة مال الفتى أو وسامته وأراد الشاب ما أعجبه من جسد الفتاة دون أي نظر لروح أو عاطفة أو كفاءة.

سأظل أكررها، إن الوالد لما يستحي أن يحدث ابنه في أمور الطهارة والبلوغ، ويترك ولده صيدا سهلا للشارع وأصحاب السوء وما على الإنترنت من خبث، حتى أنه لم يدفعه لمربٍ يعلم ويقوم أو إلى دار للقرآن يحفظ ما تصح به صلاته، فإن ذلك الولد لما يشتد عوده يقوى على غير الدين، تراه تائها، لا إلى المسجد يذهب ولا الوالدين يطيع. الأمر لا يقتصر على أمور الطهارة وإن كانت أهمها، لكن كمثال يتضح به المقال ويوضح الفجوة بين ذاك الوالد وذالكم الولد.


ليت الآباء يعلموا أنهم لا يقذفون أولادا من بطونهم ليدفعوا بهم إلى المقابر غدا، وإنما يقومون بعمل طلبه الأنبياء، وفطر الله البشر عليه. إن الزواج ليس بالقرار السهل، لابد فيه من إعداد من يستطيعوا أن يبنوا بيتا أساسه الدين والحب والاحترام والود المتبادل.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي الأطفال منذ أول يوم في تاريخ الإسلام على الإسلام وحبه، فأسلم عليّ رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين، وكان يربي الحسن والحسين منذ صغرهما على الدين حتى وإن لم ييمزا.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره حتى يصير عنده كوما من تمر فجعل الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بذلك التمر فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال أما علمت أن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة.

إن كل أب وأم مسؤول مسؤولية كاملة عما استأمنهما الله عليه من ولد، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته، على الوالد ألا يشغل نفسه بجمع المال من هنا وهناك تاركا أولاده بلا حضن دافئ، وبلا إرشاد سليم، وعلى الوالدة ألا تشغلها صويحباتها عن أبنائها، تشاركهم اهتماماتهم، وتجالسهم في فراغهم، وأن يتشارك الوالدان معا في إعداد جيل يقوم ليرعى أول ما يرعى حق أبويه، ويقوم عليهما عند الكبر، لا أن يتركهما لدور المسنين أو على أسرة المشافي.

ليت الآباء يعلموا أنهم لا يقذفون أولادا من بطونهم ليدفعوا بهم إلى المقابر غدا، وإنما يقومون بعمل طلبه الأنبياء، وفطر الله البشر عليه. إن الزواج ليس بالقرار السهل، لابد فيه من إعداد من يستطيعوا أن يبنوا بيتا أساسه الدين والحب والاحترام والود المتبادل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.