شعار قسم مدونات

استمرار الأنظمة الشمولية

blogs - الثورة

نحن جميعا نؤمن بأن الحالة الفكرية لدى الفرد العربي في أدنى ما يمكن أن تكون بالطبع هذه الحالة تعبر عنها مثلا أعداد الأميين المرتفعة وارتفاع مستوى الفقر في البلدان العربية وتزداد نسبة الاثنين خلال الأزمة الاقتصادية الناتجة عن فشل وفساد اقتصادي في البلدان العربية ولكن ليس هنا مربط الفرس.

في العهود القديمة كان المجتمع يعبر عن طبقتين الأولى هي المتعلمة ورفيعة المستوى التي تحتكر السلطة والعلم بينما كانت الطبقة الأدنى وهي عمال القطن كما يشاع عمن لا يملك حريته. كانت تعمل للطبقة الأولى التي لديها الوقت لتخوض في جميع العلوم وتزيد من برجوازية مكانتها وهنا ما أريد لفت الانتباه إليه هي مشكلة الطبقة الرفيعة التي تعبر عن نفسها بأنها المتعلمة فمع مرور الزمن تمكن العلم من صقل عقل الناس وجعلهم أكثر إيمان ً بحرية الفرد ومن هنا بعدما تمكنت جميع الطبقات فك احتكار العلم فجاءت الثورات التي تطالب بحرية تحديد المصير وتقاسم السلطة (الثورة الفرنسية قامت على تفاقم الفقر بينما قامت الثورة الأمريكية على المفهوم الذي أقصده وهو المطالبة بالحرية) الذي ساعد في قيام ثورة هو وجود طبقة تتعلم وتحاول أن تفكر خارج حدود ثوابت اجتماعية أو اقتصادية وليسوا بالطبع من ساعد على استمرار الاستبداد ولكن بشكل مرموق بتطوير مفاهيم احتيالية.
 

لا يكفي تجهيل الشعب أو استخدام الوطنية والدين والعرق فالفقر المحتم الذي هو ناتج عن السرقات سوف يأكل الهدوء بين الشعب والولاء حتى القوة المفرطة ضد المعترضين على الظلم لن تنجح دائما فهدف النظام الاستبدادي مهما كان فاشي او أبوي بامتياز هو الاستقرار

في الدول العربية هناك صراع بين ثلاثة جهات المستبدين الذين يريدون احتكار السلطة والثروات وبين الفقراء الذين تحكم بهم الجهل والدعاية التي تأتي من الجهة الأولى وأخيرا الطبقة التي من المفترض أن تكون الصالحة وهي المثقفين التي تصنعها الجهة الأولى، فمن الجلي بأن من مصلحة الجهة الأولى لتستمر صنع عدوها بيدها وجعله محدود الوعي والثقافة بحيث تبقى هي الجهة الوحيدة التي تستطيع رؤية الأمور بوضوح وهذا أول ركيزة لاستمرار أي نظام حكم مهما كان ظالم، فمن الصعب وهذه حقيقة تاريخية استمرار أي سلطة ما لم تكن هي كل الأطراف والقوية والأكثر ذكاء لتستطيع أن تخلق سبل نجاتها من أخطار تحوم حولها مثل الفرد الواعي، إرادة الشعب المجتمعة وتشكل قوة ضدها كانت داخلية أو إقليمية فهي تقدم نفسها كأفضل خيار ممكن أن يحصل عليها الشركاء في الخارج والشعب في الداخل.

ومن هنا ينطلق سعي الأنظمة الاستبدادية إلى خلق هذه الطبقة وجعلها قوية لتكون عدو مصطنع ولتجذب كل أفراد الشعب الذين يسعون إلى أن يكونوا مثقفين وهذه رغبة إنسانية بالسمو، فلا يكفي تجهيل الشعب أو استخدام الوطنية والدين والعرق فالفقر المحتم الذي هو ناتج عن السرقات سوف يأكل الهدوء بين الشعب والولاء حتى القوة المفرطة ضد المعترضين على الظلم لن تنجح دائما فهدف النظام الاستبدادي مهما كان فاشي او أبوي بامتياز هو الاستقرار، ولكن هذه الطبقة المثقفة التي من صنع هذا النظام ليست حرة في كل ما تبث من وعي مدروس وغير مفيد ولا يقدم للإنسان ما يجب كما يقدم الوعي والفكر الصحيح لكي ينهي حالة الظلم.

 

وما تلبث هذه الطبقة المثقفة حتى تبدأ بنشر الدعاية وتفعيل دورها الحقيقي بعدما ظهرت في بادئ الأمر بكونها مصلحة وتدعوا إلى الحق والعدالة وهو تظليل الشعب ونزع الوعي وجعله يفكر فقط بتوافه الأمور ولا تستغرب إن كان رواد هذه الدعاية من كبار أهل العلم سواء من يحملون شهادات جامعية أو يُدعون بالمفكرين وحتى الشيوخ والحكماء بينما تكون السلطة جائرة وتسرق الثورات ويكون حكم الرجل الواحد للدولة وخلال كل هذه المعمعة يكون الشعب غارق في قضايا لا طائل منها ولا دخل لها بالواقع ولا يستيقظ المجتمع إلا عندما ينهار تمام ومن هنا تدخل الدول الاستبدادية مرحلة جديدة للحفاظ على السلطة.

المشكلة تكمن من هنا عدم وجود أشخاص في المجتمع يحملون على عاتقهم الحقيقة وفضح الظلم والاستبداد فهذا ينهى آمال الرجوع إلى دولة الحريات والقانون والغرق اأكثر فأكثر في دولة شمولية وتتحكم فيها مؤسسات ومكاتب تتم بطرق مدروسة كتم أصوات الأحرار ( بيد أن من واجب كل إنسان أن يكون مثقف ) وأيضا جعل ثقافة ووعي الفرد مقتصرة على توافه الأمور وجعل سعيه في الحياة مجرد حرق لسنين عمره ويدفع ضرائب مضاعفة ليسدد بها عجز دولته والسرقات التي تفوق العجز وهو يسمع كل اليوم الكلمات الوطنية والدعاية الدينية والدعاية الثقافية التي كل مهمتها ترسيخ الشمولية وما كان لهذه الشمولية الاستمرار لولا تجهيل الشعب ووقوفه بجانبها ومحي طبقة المثقفين الحقيقية.
 

تتشكل مهمة الأحرار أن يكونوا صرخة الحق أمام كل الفساد اللا إنساني والأبعد من ذلك السعي إلى نشر الوعي فالوعي والإنسان المتعلم لا الجاهل هو وحده من يستطيع أن يكون عقبة في إقامة دولة جائرة

في ظل هذه الموجة القوية وضد كيان يتمتع بالقوة والداعمة الجماهرية وهنا للأسف الشعب يتحرك ضد نفسه فهو يدافع باعتقاده عن وطنه وهو في الحقيقة يدافع عن سارقه ومنتهك حرياته وأبعد عن ذلك عن سجانه ومرتكب الجرائم ضده وموجة كبيرة من الجهل تقودها المؤسسات الثقافية( الجامعات و المدارس والمؤسسات المجتمع المدني)والدينية أيضا، لا يسع من يدرك هذا الحال إلا المراهنة على أمرين، على ضرورة تغير الحالة مهما كانت محكمة فحتى حكم الأنبياء الذي كان إلهى لم يستمر وجاء بعده فساد وأيضا الحكومات الشمولية لم تستمر فالسؤال الحقيقي هو تحديد عمر هذه الأنظمة ومحاولة تقليل قوتها وذلك بنشر الحقيقة التي تملك قوة كسر هذه السلسلة المحكمة والتي سعت إلى كتم وتزيف جميع المؤسسات المدنية التي تستطيع قول الحقيقة وأيضا المراهنة على غباء الشر، لأن الشر في الحقيقة قائم على رغبات وهذه الرغبات تعمي نظر صاحبها فلا تلبث الدول التي تتحكم بها حتى تضعف نتيجة الانهيار الاقتصادي والأخلاقي الذي نتج عن الجهل ونشوب صراعات تحطم السلم الاجتماعي الذي حاول النظام الحفاظ عليه وكل هذه الأمور تجتمع لتكون سلاح مضاد تقتل السلطة وهنا مرحلة جديدة أخرى.

لا شك أن السلطة الشمولية التي حكمت لفترة طويلة أستمد منها الشعب فكرها وقناعاتها وحتى المبادئ فهو نتيجة تجهيل وتربية حقد وكره نتج عن الفقر والظلم الذي جرى له فرغبة هذا المضطهد القديم أن يكون هو المضطهد الجديد أن تتجدد الحقبة الاستبدادية بوجه أخر وهذه ما تعنيه الثورات فهي ليست فقط أحلام وردية برجوع الحق والعدل بل الثورات قد تنتج نفس النظام الاستبدادي ولكن بمستفيدين جدد وهنا مرة أخرى تتشكل مهمة الأحرار وهنا أستطيع قول بعض هذا العرض المهمة الأولى والأخيرة لهؤلاء أن يكون صرخة الحق أمام كل الفساد لا إنساني والأبعد من ذلك السعي إلى نشر الوعي فالوعي والإنسان المتعلم لا الجاهل هو وحده من يستطيع أن يكون عقبة في إقامة دولة جائرة وبالطبع هذا الإنسان الحر لن يقف خلف مؤسسة أو دار عبادة فهو يقف دائما خلف الحقيقة والحق الذي لا يتغير ولا يستبدل فالإنسان وحرياته والعدل هو أهم ما يمكن العيش من أجله وأن لا يكون الإنسان مجرد وقود يحٌرق لتعيش هياكل وهمية هدفها تمكين الاستبداد والظلم وأن لا يكون الإنسان عبد لغيره ولا عبد لرغباته وللرذيلة وهذا أصعب تحديات الأحرار الذين يهدفون إلى زرع هذه المفاهيم الفكرية التي تحمي الشعب من الجهل والاستبداد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.