إننا ما تربينا ولا تعلمنا على مثل هذا الفقه الأعوج، ذلك لأن وطننا العربي كمؤسسة عظيمة وكبيرة وديننا أكبر وأوسع وأعظم، وإنما يكبر كليهما ويسموان أكثر بطرح المبادرات والنقاشات والتفاعلات وقبول الرأي والرأي الآخر.. أما الصمت والتقوقع والارتباك من الرأي الآخر وسياسة هز الرأس والانصياع الأعمى، إنما هو مخالف لتعاليم ديننا الحنيف ومخالف تماما للأعراف المعمول بها في المؤسسات التي تحترم نفسها.
مرّ بذهني كيف أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان مهتما بآراء صحابته الكرام يستنير بآرائهم ويهتدون بهداه، كان قريبا منهم إلى حد الالتصاق، فكان يطلب منهم المشورة في أموره شاردة وواردة ما لم تكن وحيا مُنزّلا، فتجد أبا بكر يقول رأيه بينما يخالفه عمر، أو أنك تجد سلمان الفارسي يدلي بدلوه ويخالفه آخرين.
الشجاعة الحقيقية يا سادة ليست النيل من الأشخاص لأجل شخوصهم، ولكن الشجاعة هي أن تحاول أن تفنّد أفكارهم أو معتقداتهم أو طريقة فهمهم للأشياء. |
ولكن السؤال المنطقي الذي يخترق العقول والأفهام، هل كان يجرؤ أحد الصحابة الكرام على اتهام صاحبه الذي يخالفه في الرأي بأنه قادح أو مُجرّح أو أنه يكشف عيوب غيره أو يتهمه بالإقصاء والتحقير؟ أو أنه يلمّع نفسه أمام النبي الكريم؟ كلا وأبدا وحاشاهم أن يتصفوا بمثل هذه النفسيات المريضة التي تُأخّر العمل سنوات ضوئية إلى الوراء.
إن الفقه الذي نفهمه هو ذاك الفقه النبوي الذي يدعوك لأن تقول كلمتك بكل حرية وبلا تكبيل، وأن تدلي بدلوك في مؤسستك دون أن يؤثر هذا عليك سلبا كان أو حتى إيجابا، أما إن كانت الكلمة أو الكتابة توجد في نفوس بعض العاملين الضعفاء الأثر السلبي فإن المطلوب منهم أن يتحرروا من مثل هذا الفقه الأعوج الذي يذهب بهم بعيدا عن السلوكيات المستقيمة وهو لا يدرون.
هذا الكلام يسوقنا إلى فهم المعنى الحقيقي للشجاعة، فالشجاعة الحقيقية يا سادة ليست النيل من الأشخاص لأجل شخوصهم، ولكن الشجاعة هي أن تحاول أن تفنّد أفكارهم أو معتقداتهم أو طريقة فهمهم للأشياء، لأن الأول ضعف وعلامة للفشل وتستوجب التأنيب، بينما الثانية فهي وسام للفهم والرصانة تستوجب الاحترام والتقدير.
معا وسوية وبإيجابيتنا وفهمنا العميق سنصل حتما إلى الفقه المُراد، أما الانخراط في مفاهيم الفقه الأعوج فإن ذلك سيُخلّف نفوسا ضعيفة وهذا ما لا نريد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.