شعار قسم مدونات

مجتمع المعاناة

blogs- المجتمع
أول سؤال طرحته على نفسي قبل أن أحمل قلمي، من أي زاوية سأناقش معاناة المجتمع؟ عن ماذا سأكتب بالضبط؟؟! كل ما أحسست به فجأة هو رغبة جامحة لأن أكتب عن موطني.. بيئتي.. مجتمعي.. وبني جنسي (بني البشر).

لا أعرف كيف سأرصد الصراع الداخلي الذي نعيشه ولا كيف سأعبر عنه، لكن اصطداماتنا المتكررة بالواقع.. بالأحداث.. بالأشخاص، تجعلنا دائمي التمرد من كل شيء و من لا شيء، الإنسان لم يكن يوما ابن بيئته على الأغلب، بين صراع الأجيال، و صراع الحضارات، و صراع الثقافات هناك جسور تنقلنا من حالة إلى أخرى تجعلنا بتذبذب مستمر من الزمن مفتقدين لطعم الاستقرار المجتمعي الذي نريده أو نطمح إليه.


إن الإنسان لم يكن يوما ابن بيئته، لأننا كلما اقتنعنا أننا نعيش حالة صراع إلا وحرصنا على تأسيس نوع من السلام الذي يصعب العيش بصحبته، ببيئة تحارب على جميع الجبهات، منا من لم يقتنع يوما بتوجهات الحضارات التي تحتضنه والذي هو ابنها حتما.

نريد أن نحتفظ بتقاليد المجتمع التي تكون بغالب الأحيان عوجاء تستمد قوتها من الأساطير، نريد أن نطبق الأعراف كما نصت عليها دساتير القبائل (منذ كانت هناك قبائل مقسمة تحكم نفسها) وبنفس الوقت نحن دائما نهتف بشعارات تدعو للحداثة، والديمقراطية، والحضارة الأجنبية والثقافة التي نأخذها من الخارج ونسقطها على واقع لا يشبه الخارج.


نحن نسعى لشيء لا نعرفه، الأحرى نحن (أبناء هذا المجتمع) نريد أشياء لم نؤسس لها بعد، نبحث عن مفقودات لا يمكن أن نمتلكها مطلقا، قد نؤمن بالقيم الإسلامية وبالهوية العربية، لكننا نطمح لعيشة أوربية أو أمريكية، مثلا، نريد نساء فاعلات كاللواتي أخرجن بلادهن من عنق زجاجة الأزمات الاقتصادية والسياسية، كما أننا نسعى بعدة دول للشروع في تطبيق قوانين المناصفة كما أننا نتحدث باستمرار عن المساواة بين الرجل والمرأة، غير أن هذه تبقى مجرد أحلام فور ما نتذكر نسب الأمية المرتفعة بصفوف النساء والتي لا يمكن أن نلتفت بظلها لشيء آخر كالتأهيل القيادي أو ما شابه ذلك.

نحن مثلا نبحث عن مكملات العيش الكريم والواحد منا لا يملك مأوى ولا رغيفا قد يسد به جوعه، لنذهب إلى أبعد من ذلك، مجتمع يطمح للديمقراطية ويريد أن يعيش بظلها لكنه لا يتوانى في أن يكون ديكتاتوريا حتى داخل بيته، داخل عمله، وسط أهله ومعارفه، الواحد منا لا يضيع أدنى فرصة ليمارس سلطته المطلقة على المحيط المعني بالأمر، مابالك في أن ينظر نظام حكم عربي ديمقراطي و هو لا يؤسس لها من داخل أصغر مؤسسة مجتمعية.

بهذه الطريقة بالضبط نؤسس لنشأة غير سوية من داخل الأسرة و إلى ما خارجها، لأجيال تتصادم في ما بينها و لحضارات تعيش تحت ضغط المقارنة مع حضارات أخرى لا تملك مؤهلاتها و لا ظروفها لا من الناحية السياسية و لا الاقتصادية التي ستنعكس حتما على الظروف الاجتماعية.

قلت إن الإنسان لم يكن يوما ابن بيئته، لأننا كلما اقتنعنا أننا نعيش حالة صراع إلا وحرصنا على تأسيس نوع من السلام الذي يصعب العيش بصحبته، ببيئة تحارب على جميع الجبهات، منا من لم يقتنع يوما بتوجهات الحضارات التي تحتضنه والذي هو ابنها حتما.. رفقا بعقولنا وبنفسياتنا المهتزة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.