شعار قسم مدونات

على حافَّةِ الحيَاة

مدونات، الحياة

بالأَمسِ كُنَّا نكتُب بكلِّ شَـجَاعةٍ "علَى حافَّةِ المَـوت" امّا الآن صِرنا نَكتُبُ علَى "حافَّةِ الحيَاة" بعدَ أن أدركنَا أنَّ اختيارنَا للحيَـاةِ من جَديد أصعب بكثيرٍ من ملاقاتنَا المَوت. أَن تختَـارَ موَاجهَة العالمِ بِحزم، ومواجَهة مخاوفَك قبلَه، أَن تَضربَ بآلامكَ عرضَ الحائِط غير مبالياً بصراخها الذِى يُغريك برفعِ رايَـاتِ الاستسلَام بهدوء بدلاً عن كلِّ هذَا، أن تختَار فتحَ الجِراحات بدلاً عن تضميدهَـا حتَّي تنـزِف كلَّ ما بها من دِماء، أن تؤمن بأنَّ النَّصر آتٍ إليكَ ما دُمتَ تسعَى إليه.. آتٍ ولو تعثَّرَ قليلاً في الطَّريـق.

لا ننْكِرُ أننا خلالَ جولتنـا الأخيرة فقدنَا الكثير حتَّي وصلنَـا الَى أوَّلِ الطَّريق، اطلقنَا سراحَ الكثير من المشَـاعرِ التي كانت هي من تقيُّدنـا في البدَاية، أصبحنَا غُربـاء في أَعيُنِ من نحب، باتَت أحلامنَا لا تُطمئِن ذوينَـا ولا تُرضِي سوَانـا، صِرنا لا نهَـابُ المخَاطرَ مَا دمنَـا على يقينٍ انَّنا على صوَاب. تغيَّرت ملامحُ أرواحنَا بشكلً ملحوظ مِن مُطلَقِ الضَّعفِ إلَى فرطِ القـوَّة. من سَطحيَّةِ اليَأسِ وحتِّى عُمقِ الأيمَان، منَ الرُّكون إلى العزِيمة مفَاهـيمٌ اعترَتنـا دونَ إذنٍ منَّا، فاختلَطت بأرواحنا وضمَّتْهَـا إليهَا، فأخرجت هممنَـا من توَابيتِ البُكاء إِلَى ساحَةِ المعركَة!
 

كَانَ الأَلمُ في السَّابقِ حجَّة للسقُوط، ولكننَا نضَجنَـا بدرَجَةٍ كَافية لنصنَعَ منهُ دافعاً نحوَ الأَمَـام، وكلما اشتدَّ ألمنا كان هذا دليلاً على انَّنا نسعَى بِجدِّ في المسير

تغيَّرت نظرتنَا عن "البلاء"، أصبحنَـا نراه رزقاً يُساق الينَـا وإِن كانَ ظاهرُه المُصيبة نتقبَّلهُ بصدرٍ رحبٍ وشيء من الهوانِ لأننا في النهايةِ نبقي من البشَر، هوانٌ يغلبهُ إيمَـانٌ بأن الخيرَ في ثنايـا القَدرِ وإن بدا شراً، فالله لا يكلِّـفُ نفساً إلا وسعهَـا وما دامَ قد قدَّر لكَ مسيراً مَـا فاعلَم انَّك تستطيعُ خوضَه حتَّى النهاية.

سكَرَات الكَبدِ تحيطنَـا من كلِّ جانِب، ننتَقل ما بين حقيقَةِ "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" إلي لُطفِ "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" لنمضِي في مصِيرنا المُختَـارِ لنا في اطمئنَـانٍ يٍروِّضُ انهَاكنا بعدَ كُلِّ خطوَة. نرَى الحياةَ منَازلَ للجِهَـاد. ما بينَ درجَةٍ وأُخرَى نَصعُدُ رغْماً عنَّا، نَرفـضُ العَودة للورَاءِ لَا سيمَا أننا وجدَنا الطَّريقَ بعدَ ضلالٍ كَبير!
 
كَانَ الأَلمُ في السَّابقِ حجَّة للسقُوط، ولكننَا نضَجنَـا بدرَجَةٍ كَافية لنصنَعَ منهُ دافعاً نحوَ الأَمَـام، وكلما اشتدَّ ألمنا كان هذا دليلاً على انَّنا نسعَى بِجدِّ في المسير. فنتصَالح كُليَّا معَـه ونَغزلُ مِن ثغراتِهِ خيوط أمَـلٍ تُهوِّن علينا بينَ الحينِ والآخَر. إِنّ النزَاعَـات ستبقَى موجودَةً وإِن هدئَـت قليلاً، تشتعلُ في ساحَـاتِ أَنفسهَا قبل ساحَـاتِ الواقِع، فمَن غلبَهُ يأسُهُ وهوَاه وأَرضَاه خيَار ذيلِ الصُّفوفِ فقَد خَاب، ومَن عَرِف أنّ جهَادَ نفسهِ هو (الجهَادُ الأكبر) فجهَّزَ له العدَّة والتقوَي ولَم يرضَ لنفسِهِ الضَّعفَ إلّا قليلاً لينهَض من جَديد، فقد فَاز. ومَا الحياةُ الدُّنيا الا متَاعُ الغرور!

أمَّـا بعد: 
سَتَصِلُ ما دُمتَ علِى الطَّرِيق.. ستَصِلُ وإِن لَم تَصِل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.