شعار قسم مدونات

دير ياسين.. الموت ولا المذلة

blogs- النكبة

يرتبط الحديث عن دير ياسين، التي صادف ذكراها ال69 بداية هذا الشهر، بالحديث عن القتل والاغتصاب وبقر بطون الحوامل واغتصاب النساء والقبور الجماعية، ففي كل عامٍ تحل فيه ذكرى هذه المجزرة ترى وسائل الإعلام والفعاليات الشعبية تتسابق للحديث عن كم من مراءةٍ اغتصبت، وكيف قُتل الرجال وهم عُزَل وكيف بقروا بطن الحامل ليستخرجوا منه جنينها.

في مشهد يُحاكي تراجيدية بكائية يجد فيها البعض مادة إعلامية دسمة تمتلئ بها وسائلهم الإعلامية، فتُكتب مئات المقالات وتُعرض العشرات من التقارير الإخبارية، وتُكتب القصائد والأشعار، وكأن الشعب الفلسطيني كان عبارة عن مجموعة من فاقدي الإرادة الذين كانوا ينتظرون نجدة غيرهم لهم، ويرقبون سكين الجزار الصهيوني بالدموع والخوف والاستسلام.


علينا العودة لذلك التاريخ بطريقة مختلفة وبالعودة للمصادر والمراجع العربية والصهيونية والبريطانية الأكاديمية، التي تحاول أن تذكر المعلومة كما حصلت فعلاً، بعيداً عن تفسيرها لها، بفهم ونظرية مستقلة متحررة من القيود الاستعمارية والقوالب الجاهزة للفهم والتفسير.

فهل كان الواقع كذلك فعلاً؟ أم أن غالبية الطرح الحالي حول المجزرة يتجاهل عدة نقاط مهمة منها:


أولا: أن قرية دير ياسين تقع في نفس منطقة الحزام من قرى شمال غرب القدس، الممتد من النبي صموئيل شرقاً لبيت محسير غرباً، والذي كان مجاهدو جيش الجهاد المقدس يخوضون معاركهم فيه ضد العصابات الصهيونية، وتمكنوا قبل يوم واحد من المجزرة من استعادة قرية القسطل، و دير ياسين تقع إلى الجنوب الشرقي من القسطل. 


ثانيا: أن القائد الشهيد عبد القادر الحسيني رحمه الله كان قد عاد قبل المجزرة بيومين من دمشق، بعد أن طلب الذخيرة والسلاح النوعي من الجامعة العربية، حيث رفضت ذلك، وتذكر بعض المصادر عودته بشوال من الذخيرة فقط، وقد ذكر الحسيني في رسالته المشهورة التي كتبها قبل استشهاده صراحة أن مجاهديه كانوا في أوج انتصاراتهم حين خذلته الجامعة العربية، مما يدل على أن المقاومة كانت بالفعل حتى الطلقة الأخيرة. 


ثالثا: وهي أن مجزرة دير ياسين سبقها مقاومة مسلحة للتقدم الصهيوني نحوها بما أتيح من سلاح وببسالة كبدت العصابات الصهيونية خسائر فادحة حيث سقط منهم ما يُقارب ال100 قتيل من العصابات الصهيونية، وحين نفدت ذخيرة الرجال المدافعين ارتكبت المجزرة، بكل جُبن وخسة، حيث تم إعدام رجال القرية ومدافعيها بدم بارد قبل الشروع بارتكاب المجزرة. 


إن هذه الحقائق وغيرها تقودنا لإعادة دراسة تاريخ النكبة، هذا إن صحت تسميتها بذلك، فحتى هذا المصطلح يحمل دلالات لغوية بأن احتلال فلسطين عبارة عن ظاهرة طبيعية كزلزال حط بنا فجأةً أو ريح هوجاء هبت علينا من بعيد واقتلعتنا من أرضنا دون أي مقدمات أو أحداث متراكمة سابقة لذلك.


علينا العودة لذلك التاريخ بطريقة مختلفة وبالعودة للمصادر والمراجع العربية والصهيونية والبريطانية الأكاديمية، التي تحاول أن تذكر المعلومة كما حصلت فعلاً، بعيداً عن تفسيرها لها، بفهم ونظرية مستقلة متحررة من القيود الاستعمارية والقوالب الجاهزة للفهم والتفسير، بعيداً عن اللطم والندب والبكائيات، التي قد تكون في حقنا أسوأ من تلك المجازر وبشاعتها، فلا زال يعبق بذاكراتنا ذاك القول الذي تناقلناه من الأجداد للآباء (الموت ولا والمذلة). 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.