وكان غاي غوفيط من الشعراء الذين يسافرون في كل لحظة ألف مرة، يجعل من الأشياء التافهة سببا للسعادة والحياة، لذا فقد عاش شاعرا ومسافرا في آن واحد، وأن تكون شاعرا، لا يعني أن تكتب شعرا، بقدر ما يعني الإحساس العميق بالأشياء والعالم الذي يحيط بنا، فحسب غوفيط، فالشعر كالمذكرة الشخصية لحيوان طائر يعيش على الأرض محاولا الطيران، فالشاعر كالمركب بين آلاف الأمواج الهائجة، عليه النجاة بأي طريقة كانت، والنجاة الوحيدة حسب غوفيط، هي النجاة من الحياة ومخلفات الحب المدمر.
وليس غريبا أن يبحث الشاعر عن نفسه في القصيدة عوض البحث عنها خارجا.. إذن، فالكتابة الشعرية تعبير عن صرخات الروح وتمزق القلب في عالم لا يجيد قراءة الألم والمعاناة. |
هذا ويضيف أرمون روبان أن الشعر حلم يصعب الاستيقاظ منه، لأنه ينسينا من نحن. وقد سبق له وكتب في أحد أشعاره: ’كي أبقى قريبا منكم رغما عني، رغما عن حياتي. عشت جميع ليإلي في الأحلام، والنهار كنت أستيقظ مرغما لأعيش حياة لم أكن أبدا جزءا منها’’. والمقصود أن الشاعر كان يهرب من الحياة اليومية المملة ليعيش في الحلم لأن الكتابة الشعرية تشعره بوجوده وغياب الآخرين في عالم أعمى يرتدي لباس الظلام. أرمون روبان شاعر بالحس والكلمات جعل من القصيدة لعنة الحياة ومرادف الحلم اللا متناهي.
فالكتابة الشعرية محاولة الحياة بعد فقدان طعم الحياة، لهذا نجد العديد من الشعراء في حالة من البحث المستمر عن أنفسهم في مرآة القصيدة، بعيدا عن ظلم هذا العالم وجهله، فيقول أنطونيو كاموندا:
ولم تنزع عن وجهك
وجه أمك،
تعلمت أن تصرخ
والكأس ينكسر داخل عيناك
فالماضي شبح يطارد الشاعر في حضوره وغيابه، لذا فالكتابة الشعرية تعبير عن الهرب أو العودة إلى الماضي، فكل شاعر يعبر عن أزمته الوجودية بالطريقة التي يريدها، والتي عادة ما تكون اعترافا داخليا يتخلص من خلاله الشاعر من كل اللعنات التي تطارده، عش شاعرا أو مت وحيدا على عتبات القصيدة، هي الجملة التي تخلص سبب الكتابة الشعرية، فمعظم الشعراء يهربون من وحدتهم عن طريق خلق عوالم خيالية يزرعون فيها كل أحاسيسهم، بما في ذلك الشعور بالوحدة والاختناق.
وليس غريبا أن يبحث الشاعر عن نفسه في القصيدة عوض البحث عنها خارجا.. إذن، فالكتابة الشعرية تعبير عن صرخات الروح وتمزق القلب في عالم لا يجيد قراءة الألم والمعاناة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.