لماذا تميم؟!
تميم البرغوثي نصف الفلسطيني، نصف المصري، الذي يتقاسم عبقرية رضوى، وفرادة مريد، هو معادلة صعبة في زماننا العسير. فقد جمع حالمية الشاعر، وواقعية السياسي. ولا يُصنِّف نفسَه انتماءً إلا إلى قضيَّتيْن هما جوهر حياته وشعره وعقله وقلبه وعوامله الوراثية. وهما قضية فلسطين، وقضية تحرر الأمة من مستعمريها الخارجيين ووكلائهم حكام الداخل، ولا نحتاج لتفكير طويل لنعتبرهما قضية واحدة.
ورغم أن الانحياز إلى هاتيْن القضيتيْن مبدئيٌ وأخلاقيٌّ وإنساني. فإن دهاليز السياسة، والمصالح الشخصية، والتحيُّزات الطائفية أخرجتهما لدى الكثيرين من دائرة المُسلَّمات والثوابت، وهذا جزء مما كشفه الربيع العربي بعدما انقلب صيفاً دامياً أو خريفاً بائساً، من كوارث الشخصية والذهنية العربية، والتي أسَّسَت لما يتقاذفنا من محن ومصائب.
يرى تميم أن انصراف أبناء الأمة عن التفسطُط طائفياً، وتولية الوجوه شطر مواجهة إسرائيل والحكام الطغاة، سيضرب هذه المخططات في مقتل. لكن يُتَّهَمُ تميم بالانحياز للشيعة، والمبالغة في تقدير حلف الممانعة. |
هل هناك تشيعٌ سنيٌّ؟!
كان هذا المصطلح يستخدم قديماً للتعبير عن المتمذهبين بالمذاهب السنيَّة ممن يترضّوْن عن آل البيت، ويتعاطفون مع محنهم المتتالية في صراعهم مع المستبدين الأمويين والعباسيين. إذ وصل تطرف بعض غيرهم من أهل السنة في إنكارهم للتشيع، إلى الإساءة إلى آل البيت، وتبرير قمع الحكام لانتفاضاتهم باسم وأد الفتن، ووحدة الدولة. بل كفَّرَ ببعضهم عموم الشيعة مطلقاً.
سنستعيرُ المصطلح لواقعنا. فنطلقه على أهل السنة الذين يؤمنون بالتعايش الحتمي مع الشيعة، وحل النزاعات الفكرية والعقدية معهم حوارًا بالتي هي أحسن. ويعتبرونهم من أهل القبلة لنطقهم بالشهادتينْ. إذ لن يُحَل خلاف الـ 14 قرنًا السني الشيعي بالقتال، فلن يبيدَ ثلاث أرباع مليار سني، ربعَ مليار شيعيّ، ولا العكس بالطبع، وأدعي أن تميم البرغوثي مثالٌ بارز لهذه المدرسة الوسيطة.
التشيع السني في شعر تميم البرغوثي وفكره:
ساعتان رمليتان
كلٌّ تتهم الأخرى بأنها مقلوبة
وتدعوها أن تعتدل مثلها
ويدٌ واضحة جداً
تقلبهما معاً في نفس اللحظة
ومن موقعيها الجديدين
تستمر كل واحدة منهما في اتهام الأخرى.
هذا المقطع من قصيدة حديث الكساء التي كتبها تميم منذ سنوات. وهي من أكثر قصائده تعبيرًا عن منهجه فيما يخص المعضلة السنية الشيعية.
في تموز 2006، عندما أنزلت صواريخ حزب الله الشيعي اللبناني، ثلثَ إسرائيل الشمالي شهرًا إلى الملاجيء، وتناثرت أشلاء الميركافا في أودية جنوب لبنان. وما تلاها من دعم حزب الله للمقاومة في غزة خاصة عدوان أواخر 2008، ومطلع 2009، كان تميم ضمن كثيرين وجدوها فرصة جيدة لتلتفَّ الأمة كلها سنة وشيعة خلف مواجهة إسرائيل كغاية مشتركة.
بنى تميم القصيدة على حديث شريف روته مصادر من الفريقين، يذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع الحسنيْن والزهراء رضي الله عنهم تحت كسائه، وقال ما معناه هؤلاء هم أهل بيتي.
يريد تميم في القصيدة أن يترك السنة والشيعة التنازع على مقصود الحديث ورواياته، ويعتبرون من يستحق أن يشمله كساء النبي كمعنى رمزي هو كل من يدافع عن كرامة أمة محمد ضد العدوان، ويخرجون من تحته من يوالون الأعداء ويضعفون الأمة.
تحولت الثورة التي كانت في مطلعها سلمية تحت وطأة القمع الجنوني، والتلاعب الخارجي، إلى حرب أهلية مرعبة مشحونة طائفيًا. وتغيرت جغرافيا الشام كثيراً. |
جاءت هذه الدعوة لنبذ الطائفية في وقت حساس، تتحدث فيه دوائر الحكم والسياسة في الولايات المتحدة خصيصاً عن إعادة ترسيم الشرق الأوسط، إلى كانتونات عرقية ومذهبية. سيستدعي هذا تأليب حروب أهلية شاملة سنية شيعية في المنطقة، تنهك أيضًا ما يسمى بحلف الممانعة ضد إسرائيل .. إيران والنظام السوري وحزب الله، وهي قوىً شيعية بالأساس ، بأقل كلفة مادية وبشرية علي أمريكا وإسرائيل.
يرى تميم أن انصراف أبناء الأمة عن التفسطُط طائفياً، وتولية الوجوه شطر مواجهة إسرائيل والحكام الطغاة، سيضرب هذه المخططات في مقتل.
لكن يُتَّهَمُ تميم بالانحياز للشيعة، والمبالغة في تقدير حلف الممانعة. فأخذ عليه الكثيرون، اسمًا ورسمَا، قصيدة أمير المؤمنين التي مدح فيها حسن نصر الله بعد حرب تموز 2006:
مِنْ آلِ بيتِ الرسولِ يـا حَسَـنُ *** مَنْ لَو وَزَنْتَ الدُّنيا بهم وَزَنُـوا
جُزِيتَ خيراً عـن أُمَّـةٍ وَهَنَـتْ *** فَقُلْتَ لا بأسَ مـا بكـم وَهَـنُ
خليفـةَ اللهِ باْسْمِـكَ انتشـروا *** خَلقاً جَديداً من بعـد مـا دُفِنـوا
ويروْن في شعره شذرات أخرى من روح التشيع. فمثلًا امتدح آل البيت في أهم أبيات البردة:
على النبي وآل البيت والشهدا *** مولاي صلِّ وسلِّم دائماً أبدا
لكن لا تخلو قصائده أيضًا من مدح للصحابة خاصة الصديق رضي الله عنه، كما في قصيدة أمة في الغار:
دخلتِ إليهِ اثنينِ أول مرةٍ *** نبياً وصدِّيقاً وشى بهما الوعرُ
يخبئُ كلٌّ فجرَهُ في ردائِهِ *** حذار سيوفٍ لا يروقُ لها الفجرُ
فرصة الربيع العربي الضائعة:
احتفى تميم بالثورات العربية التي زلزلت عروش الطغاة، ومنهم من كان مواليًا لإسرائيل أو مهادنًا كمبارك. أملَ تميم أن يؤدي تحرر الشعوب العربية وإتيانها بحكومات تعبر عن وعيها الجمعي الحقيقي، إلى تحقيق أهداف التشيع السني.
لكن جاءت العواصف والأعاصير بما لا تشتهي سفن تميم وأترابه، تأزم مسار الثورات العربية، وتفاقمت الثورات المضادة، ودُفِعَت بعض الدول العربية إلى حالة من السيولة، فتفكََك بعضها، واندلعت حروب أهلية وإقليمية وقودها الطائفية خاصة في اليمن وسوريا. أصبح حلم تميم سرابًا لافحًا في تيه سرمدي.
أردت هنا إبراز طريق ثالث يحاول البروز وسط المعمعة الطائفية التي لا يجني ثمارها إلا أعداء الأمة. فيترفع عن انحيازاته، ويقدم النقد اللاذع هنا، وقدر من الإنصاف هناك. |
الامتحان السوري. كثيرون حول الطائفية، قليلون حولَ القضية:
المحنة السورية هي الامتحان الأكبر في هذه السنوات العجاف. يرتكب نظام الأسد الطائفي الأقلَّوي المذابح ضد شعبه والتفَّ أكثر الطائفة العلوية الشيعية حوله ضد الثورة التي ينتسب معظم مؤيديها إلى الأكثرية السنية، وأعلىَ فحيح الطائفية استنصاره ابتداءً بحزب الله الشيعي ضد أبناء شعبه، وانتهاء بالميليشيات الطائفية الشيعية العراقية والأفغانية وبالطبع الإيرانية.
تحولت الثورة التي كانت في مطلعها سلمية تحت وطأة القمع الجنوني، والتلاعب الخارجي، إلى حرب أهلية مرعبة مشحونة طائفيًا. وتغيرت جغرافيا الشام كثيراً، فاقترب مما يريد مخططو الشرق الأوسط الجديد.
حاول تميم أخذ منطقة وسط. يؤيد حلف الممانعة في مواجهة إسرائيل، وينكر بشدة جرائم الأسد، ويرفض أن يمر طريق القدس عبر أشلاء السوريين، وأطلال مدنهم الثائرة. وعاتب في مداخلاتٍ عديدة بحساب الفيسبوك الرسمي، حزب الله وإيران إذ ورَّطهم الأسد في هذه المجزرة.
خاتمة:
أردت هنا إبراز طريق ثالث يحاول البروز وسط المعمعة الطائفية التي لا يجني ثمارها إلا أعداء الأمة. فيترفع عن انحيازاته، ويقدم النقد اللاذع هنا، وقدر من الإنصاف هناك.
لن يختلفَ عاقل مع تميم في أن حل الأزمة السورية في أقرب وقت حلاً واقعيًا، يوقف شلال الدم، ويحقق للشعب السوري أكبر قدر من تطلعاته في الكرامة والحرية، هو أول طريق لجم الطوفان الطائفي الذي يجرف الجميع، وإلا سيستمر الاحولال الكوني كما قال تميم في أحد مقالاته، وتستمر دائرة التظالم في الاتساع حتى تبتلع ما تبقى من الحاضر والمستقبل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.