شعار قسم مدونات

هل تخلى الله عنا؟

blogs - sad

هلْ تخلى اللهُ عنَّا؟ هلْ تركنا اللهُ؟ كالثاكلِ الحزينِ على وحيدهِ، رحتُ أسألُ نفسي: أليس الله بقدير، أليس سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.. فلماذا يتركنا هكذا نتجرع كؤوس الذل والهوان؟! هدمٌ للبيوتِ على رؤوسِ ساكنيها.. أعراضٌ تُنتهكُ.. هدمٌ وتشريدٌ وتنكيلٌ بالمسلمين وطولُ بلاءٍ، وذهابُ ريحٍ وذلةٍ وهوانٍ وصغارٍ لا يمكنُ للعباراتِ أن تَصِفَه. مآسٍ وفواجعٍ تُطالعنا بنشراتِ الأخبارِ كل يومٍ ولا ندري هلْ لها من نهايةٍ؟

 

سألتُ نفسي: أليسَ اللهُ بقادرٍ على أن يسلِّطَ على أبناءِ يهود، ومن سار على دربهم عذابا عاماً يستأصل شَأفتهم؟ لماذا لا ينتصر اللهُ لنا ونحن ندعوه؟ أين اللهَ مما يحدثُ في سوريا والعراق وفلسطين؟ تزاحمت في صدري الأسئلة فرحتُ ألتمس لها جواباً بكتاب الله، فصافحت عيني تلك الآيات الشافية للصدور والتي تصف لنا واقع الأمه بدقة، وتجيب على سؤالنا، لماذا لم ينتصر الله لنا؟

 

السؤال الذي ينبغي أن يُطرح؟ ليس أين الله منا بل هل نستحق نحن النصر من الله؟ فإن الذي نصر نوح على قومه بعد أن كُذب ألف سنة إلا خمسين عاماً لناصرك شرط أن تثق بموعده وبنصره

يقول الله "ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ" ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَقَمَ مِنْ الْكَافِرِينَ بِعُقُوبَةٍ وَنَكَال مِنْ عِنْده. إذنْ فلماذا ترك الأمة تُعذب وتُقتل وتُشرد. يقول الله "وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ" ليختبركم ويبلو أخباركم فيتخذ منكم شهداء ويعلم الصادق من الكاذب ومن دخل دينه لمصلحة دنيوية ومن أراد الدين للدين، ويفضح المنافقين والكذابين وأعداء الدين فينقى الصف المؤمن من الخبث والشوائب ويستوي ويستقيم. وليدفع العجب والغرور عن المسلمين، فلو انتصروا في كل معركة لدخل إلى قلوبهم العجب فكتب عليهم التعثر ليعلموا أنهم بالله وأن كثرتهم قلة إذ لم يكونوا مع الله فيرى الله منهم انكساراً له وإخباتا. ويرى منهم الصدق واليقين في موعوده وإن طال البلاء وتأخر النصر. وليُعدَّهم لأمر عظيم وليربي قلوبهم وليخلصها له من كدرها. حتى إذا ما نصرهم الله أيقنوا أنهم نُصِروا به لا بقوتهم وكثرتهم، فيتبرأ المؤمن من حوله وقوته ويقطع الطمع في الخلق ويعلم أنه بالله منصور لا بغيره. فهل تلك الفضائلُ والمننُ تَحْصلُ إلا البلاء؟

 

فإذا ما ابتلى الله المؤمنين بالقتل فما هو مصيرهم، يقول الله "وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)" ثم يبين الله السبب الرئيس لهزيمتنا فيقول "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)" فكأنه يقول لا تنشغلوا بمصير من قُتل فأولئك المنعمين وانشغلوا بنصر دينه حتى يُمِنَ عليك بالنصر والثبات لأن القضية محسومة إن نصرتم الدين ومصير الكافرين المكذبين معلوم "وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)" ثم بين الله عاقبة الظالمين فيقول "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)" ولمن سار على طريقتهم مثل ما نال سابقيهم من دمار وخراب وذلك لأن "اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)"..

ثم يرشدنا الله إلى الاستعانة على طول بلاءنا بالتفكر في عاقبة الظالمين وما ينتظرهم من عذاب في الآخر وضده لمن آمن وثبت "إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)" ثم يطمئن الله أفئدة عباده بالنصر ويُحقر عظيم ما يرون من قوة أعدائهم بمثال واقعي محسوس فيقول "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)" فهل بشار ومن عاونه، واليهود ومن عاونهم ولو اجتمعوا على قلب أفجر رجل فيهم بأشد قوة من فرعون والنمرود. كلا، فالله يبشرك بأنه مهُلكهم ناصرٌ لكم. و"قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ" فيها نوع سلوى لكل من أخرجهم الظالمون إلى المخيمات بأن الله ناصرهم ومعينهم.

 

والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح؟ ليس أين الله منا بل هل نستحق نحن النصر من الله؟ فإن الذي نصر نوح على قومه بعد أن كُذب ألف سنة إلا خمسين عاماً لناصرك شرط أن تثق بموعده وبنصره وقبل ذلك تنصره لتستحق هذا التأييد من الله "فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)" وهذا نصره لمن صدق وصبر ونصر لا لمن تخاذل وقنط وخذل، فانظر أين موقعك من نصر الله تعلم موعد نصره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.