شعار قسم مدونات

إذا من يعلم الصغار

blogs - Children
عندما أردت أن أزرع حديقة كان علي أن أبذر البذور، وعندما أردت أن أعلم كان علي أن أبدأ بقرآءة كلمة واحدة وعندما أردت أن أكتب كان علي أن أبدأ بكتابة كلمة واحدة، وعندما أردت أن أرسم كان علي أن أختار لون للبداية، وعندما سافرت بدأت بسنتيمتر ثم متر. لكي نصل للعلم، للحقيقة، للحب، للمعرفة، لابد أن نبدأ الآن وبلا خوف نتوقع ما تخبئ لنا المغامرة، وعلينا أن نعطف على الضعيف.

خلق الله الإنسان على مراحل فإن شعرت يوماً بالتيه تذكر هذه المراحل: ماء دافق، مضغة، علقة، عظام ثم تكوين كامل تذكر أن بدايتك في هذه الحياة كانت بكاء وصراخا فلا تبتئس كثيراً وأنت تبحث عن الحكمة وراء ذلك! إن أردت الإنجاب مؤكد ستفكر في بناء الإنسان، لكن كن على يقين أنك ستُبنى معه أيا كان نوع البناء إن خيراً فخير وإن شراً فشر. 

اختبرت بعض الصغار والصغيرات ووجدت إجماعا على رفض فكرة الزواج، وأن يكونوا أباء وأمهات في المستقبل بشدة وشراسة وضيق… حتى أن إحداهن قالت لي بدون سؤال مني "ما أعرفه عن الزواج أنه شيء ما يدعو للانتحار والضيق وكره النفس والحياة" وهي لم تتجاوز من العمر عشر سنوات.

لقد انكسر قلبي عندما رأيت أما تصفع ابنها الذي بالكاد يتكلم على وجهه لأنه أراد الحلوى من طفلة أخرى، وانكسر عقلي أيضا حينما مضيت في صمت دون أن ينطق لساني بكلمة، ولم أطل حتى النظر!

ومازلنا لا نشعر بالرمال تتساقط بين أصابعنا، وما زلنا نحل مشكلاتنا مع الأبناء بالعنف، والعداء المتبادل مدعين الحكمة والخبرة مرددين الجملة الأكثر شهرة "إحنا اتربينا كده" وتستمر الحياة والأب يعتقد أن هيبته في خوف أبناءه منه، وتظن الأم أن المشاكل ستنتهي بالعنف لكن الأبناء في هذه المرحلة أذكى!

لكن قد نفيق عندما يكبر الأطفال وينتحر أحدهم ممارساً أقصى أنواع العنف ضد نفسه بعد رحلة فاشلة من البحث عن الحب، كما شرب زميل أخي السم بعد أن فشل في الإعدادية ولم يؤهل لدخول المرحلة الثانوية العامة وما تساوي جناح بعوضة.

ربما قد ننتبه، وقد ألحدت فتاة وديعة شعرت بانصهار في جزيئاتها في هذا العالم المتقمص للجحيم. ربما نفيق بعد أن يزداد التحرش فلا تصبح الشوارع متاحة لأي كائن يحمل بين جنبيه ذرة من إنسان، ربما نفيق بعد حرب إبادة جماعية لكن بعد فوات الأوان.

لقد انكسر قلبي عندما رأيت أما تصفع ابنها الذي بالكاد يتكلم على وجهه لأنه أراد الحلوى من طفلة أخرى، وكان هذا في تهجد رمضان، وانكسر عقلي أيضا حينما مضيت في صمت دون أن ينطق لساني بكلمة، ولم أطل حتى النظر!

ولكن بداخلي سؤال لا أجد له إجابة، تارة وتارة لا أجد غير سبيل الجنون في هذه الحياة! هل لأن العالم لا يحمي الضعيف إجمالا؟ بل يسحقه إجمالا سحق الآباء الأبناء أم العكس؟ يراودني هذا السؤال كثيراً عندما أتذكر معلمين في الحقيقة لا يتعدى حالهم الجلادين! إذا من يعلم الصغار؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.